و ذلك لأنّ قوله عليه السلام: «و لا يبطل حدّاً من حدود اللَّه عزّ و جلّ» يشعر بأنّ المراد من الحدّ معناه الأعمّ، و إن كان مورد الخبر في التعزير؛ حيث إنّ الغلام و الجارية لم يدركا، و معلوم أنّ الحدود تتعلّق بالمكلّفين المدركين، فليس لهما حدّ معيّن شرعاً.
الثالث: في العقوبة المعيّنة أي الحدّ المصطلح؛ و ذلك كخبر عمرو بن قيس المذكور آنفاً عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «... إنّ اللَّه حدّ في الأموال أن لا تؤخذ إلّا من حلّها، فمن أخذها من غير حلّها قطعت يده حدّاً لمجاوزة الحدّ، و إنّ اللَّه حدّ أن لا ينكح النكاح إلّا من حلّه، و من فعل غير ذلك إن كان عزباً حدّ، و إن كان محصناً رجم، لمجاوزته الحدّ.»[1] فالحدّ في قوله عليه السلام: «قطعت يده حدّاً» بهذا المعنى، و أمّا قوله: «إن كان عزباً حدّ»، فهو بقرينة مقابلته بالرجم الوارد في الحديث، استعمل في قسم خاصّ من العقوبة المعيّنة، و هي ما كانت بالسوط.
و أمّا خبر الحلبي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «لو أنّ رجلًا دخل في الإسلام و أقرّ به، ثمّ شرب الخمر و زنى و أكل الربا و لم يتبيّن له شيء من الحلال و الحرام، لم أقم عليه الحدّ إذا كان جاهلًا، إلّا أن تقوم عليه البيّنة أنّه قرأ السورة التي فيها الزنا و الخمر و أكل الربا، و إذا جهل ذلك أعلمته و أخبرته، فإن ركبه بعد ذلك جلدته و أقمت عليه الحدّ.»[2] ففيه: أنّ ذكر أكل الربا إلى جانب شرب الخمر و الزنا، يدلّ على أنّ المراد من الحدّ مطلق العقوبة، لا المعيّنة بالخصوص، و ذلك لعدم التعيين شرعاً في عقوبة أكل الربا.
الرابع: في العقوبة غير المعيّنة أي التعزير، و ذلك كمضمرة سماعة، قال: «قال: شهود الزور يجلدون حدّاً ليس له وقت، و ذلك إلى الإمام، و يطاف بهم حتّى يعرفوا فلا يعودوا.
قلت له: فإن تابوا و أصلحوا تقبل شهادتهم بعد؟ قال: إذا تابوا تاب اللَّه عليهم و قبلت