فتحصّل من جميع ذلك عدم قيام دليل على إلحاق ما ليس بكذب به، تورية كان أو إنشاء أو فعلا، مع أنّه قد وردت التورية في روايات ظاهرة في جوازها مطلقا:
كرواية محمّد بن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب عبد اللّه بن بكير بن أعين عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في الرجل يستأذن عليه، فيقول للجارية: قولي: ليس هو هاهنا. قال: «لا بأس، ليس بكذب». [1]
و الظاهر أنّ المشار إليه كان محلا خاليا، حتّى يخرج الإخبار عن الكذب.
و مقتضى إطلاقها جواز التورية و لو لا لإرادة الإصلاح.
نعم في سند الروايات الّتي نقلها ابن إدريس من بعض الأصول ككتاب البزنطي و ابن بكير و غيرهما كلام، و هو أنّه لم يثبت عندنا أنّ تلك الأصول كانت معروفة في عصر ابن إدريس نحو كتاب الكافي و التهذيب و غيرهما ممّا هي معروفة واضحة الصدور من أربابها بحيث لم نحتج إلى العنعنة في إثبات كونها منهم، و لم يذكر ابن إدريس طريقه إليها، و من المحتمل أنّ ثبوت كونها منهم عنده بوجوه اجتهادية و قرائن لو قامت عندنا لم نتّكل عليها لاختلاف اجتهادنا معه، و ليس ابن إدريس و من في طبقته و نظائره عندنا كصدوق الطائفة و نظائره ممّن كان عصره قريبا من عصر صاحب الأصول و لم يكن دأبه الاجتهاد و إعمال النظر و الاتّكال على القرائن الاجتهادية لإثبات شيء. و لهذا لا يبعد الاعتماد
[1] نفس المصدر و الباب، الحديث 8، و السرائر 3- 632 في مستطرفاته عن كتاب عبد اللّه بن بكير بن أعين.