«إنّه كاذب» أو «كذب فلان». و لازم ذلك أن يكون أمثال ذلك خارجة عن الصدق و الكذب بالمعنى المصدريّ، و إن لم تخرج عن أحدهما بمعنى حاصل المصدر أي نفس الكلام.
و يظهر من المنجد دخالة الاعتقاد فيه، قال: «كذب، ضدّ صدق: أخبر عن الشيء بخلاف ما هو مع العلم به». [1] ثمّ إنّ ما ذكرناه غير مقالة النظّام [2]، فإنّه لم يفرّق بين الكلام و المتكلّم، أي بين الصدق و الكذب و بين الصادق و الكاذب، بل الظاهر عدم التزام أحد به.
و يمكن أن يقال: إنّ عدم انتساب إلى المفتي بالأحكام المخالفة للواقع، و كذا غيره المخبر بمقالة كاذبة مع اعتقاده صدقها، و أمثال ذلك، إنّما نشأ من أدب العشرة و احتراز الناس عن استعمال لفظ يشعر بالذم أو يدلّ عليه، و انتسابه إلى غيره و لو مع إرادة خلاف ظاهره و إقامة قرينة عليه. و الظاهر من قوله: «كذب فلان» أو «هو كاذب في مقالاته» أنّه كذب عمدا، و لا أقلّ من إشعاره بذلك، و هو نحو إهانة بالطرف أو خلاف أدب.
بل قد يكون سلب انتساب بعض القبائح موجبا للهتك و الإهانة، فيحترز الناس عنه، فإنّ في السلب أيضا إشعارا بالذم، فلا يقال للرجل الشريف: «إنّه ليس بسارق و لا زان».
فعدم انتساب الكذب، للاحتراز عن الإهانة. و لهذا نرى احترازهم عن ذلك مختلفا باختلاف عظمة الطرف، فاستعمل الخطاء و الاشتباه و نحوهما مكانه و شاع الاستعمال فصار منشأ لتوهّم عدم الصدق، و إلّا فلا ينبغي الإشكال في