فيمكن أن يناقش فيها بأنّ المحرز من بناء العقلاء على اعتبار أصالة الصحّة، و كذا الأدلّة الشرعيّة التي يظهر منها مفروغيّة اعتبارها في الأبواب المتفرّقة الكثيرة كجواز الاكتفاء بتجهيز الميّت الصادر من المسلم مع احتمال فساده، و الأدلّة المرغّبة إلى الجماعة مع احتمال بطلان صلاة الإمام و المأمومين الحائلين في الصفوف، و أدلّة تنفيذ الوكالة و جواز ترتيب الآثار على فعل الوكيل و كذا الوصي، إلى غير ذلك من الأدلّة الظاهرة في جواز الاتكال على فعل الغير من أوّل الفقه إلى آخره، و قلّما كان في الفقه موضوع نحو أصالة الصحّة في وفور الأدلّة على اعتباره و إن لم يكن شيء منها بعنوانها لكن يعلم منها مفروغيّتها.
هو حمل الفعل الذي له جهة صحّة و جهة فساد على الصحّة الواقعيّة مع الشرائط المقرّرة في محلّه [1].
فبناء العقلاء على ترتيب آثار الصحّة على أفعال تقع تارة صحيحة و أخرى فاسدة كالعقود و الإيقاعات، و كانوا يشهدون على ما ملكه الغير يبيع و صلح و نحوهما، و يتزوّجون المطلقات و لا يعتدّون باحتمال الفساد [2].
و لم يحرز بناؤهم على حمل فعل مردّد بين الحرمة و الحلّية التكليفيّة على الحلّية الواقعيّة فيحلفون على كون فعله حلالا و يشهدون عليه مع احتمال الحرمة، بل خلافه محرز.
إذ الدوران بين الحرمة و الحلّية ليس من دورانه بين الصحّة و الفساد بالمعنى المتقدّم الذي هو موافق للعرف و الاعتبار. و هذا العنوان و إن لم يكن موضوع دليل لفظي، بل هو عنوان مأخوذ في كلام الفقهاء، لكن يمكن الاستيناس به
[1] راجع الرسائل للمؤلّف- قدّس سرّه- 1- 320 و ما بعدها، في أصالة الصحّة و دليل اعتبارها.