لكن هذه الصورة قليلة الاتّفاق في الشرعيات، و يجب فيها على المولى عقلا إيجاب الاحتياط في الشبهات البدويّة مع عدم العلم بهذه المرتبة من الأهميّة.
و قد يتعلّق العلم بالحجّة، كإطلاق دليل أو عموم عامّ أو نحو ذلك من ظاهر الكتاب و السنّة، لا العلم بالتكليف الواقعي الفعلي، فإطلاق الكتاب يقتضي حرمة الميتة و الخمر، كانتا معلومتين تفصيلا أو إجمالا أم مجهولتين، و لكن العلم بالإطلاق لا يلازم العلم الوجداني بالتكليف الواقعي الفعلي، و إن يلازم العلم بقيام الحجة على الواقع، لكن يحتمل وجدانا تخلّفها عن الواقع و إن لا عذر للعبد مع قيام الحجّة في التخلّف عنها.
و في هذه الصورة لا مانع عقلا من الترخيص في المخالفة القطعيّة فضلا عن الاحتمالية.
و هذه الصورة هي التي ينبغي أن يبني عليها المباحث الآتية و مباحث العلم الإجمالي في باب الاشتغال، فمع عدم امتناع الترخيص في الأطراف جميعا أو بعضا يلاحظ مقتضى الأدلّة المرخّصة و يؤخذ بها، و إن اقتضت الترخيص في جميعها، فإنّ الترخيص في الجميع يلازم غمض العين عن التكليف الواقعي لمصالح أهمّ منه و لو لم نعلم بها. فالترخيص في جميع الأطراف في هذه الصورة كالترخيص في الشبهة البدويّة و الترخيص في العمل بالأمارات في إمكانه، كما أنّ الجميع مشتركة في الصورة الأولى في الامتناع.
فمباحث العلم الإجمالي في باب القطع ينبغي أن تكون من قبيل الصورة الأولى، كما أنّ مباحث العلم الإجمالي في باب الاشتغال [1]، كعدم تنجيزه في الشبهة
[1] راجع تهذيب الأصول 2- 51 و ما بعدها، في العلم الإجمالي، و 2- 247 و ما بعدها، هل العلم الإجمالي علّة تامّة لوجوب الموافقة.