و إن شئت قلت: إنّه بعد ما كان الداعي ليس عبارة عن الخطور بل هو المحرّك، و بعد ما كان المحرّك التامّ و علّة فاعليّة الفاعل بحسب متن الواقع هو الخوف من العذاب أو الطمع إلى المشتهيات بلا دخالة شيء آخر فيه، و إنّما يقال:
أفعل كذا لأن يدخلني اللّه الجنّة أو لخوف الدخول في نار اللّه، لمجرّد كون المورد كذلك، و أنّ الجنة و النار بيد اللّه و تحت قدرته، لا لأنّ العلّة للإيجاد الجنّة مع تلك الإضافة أو نفس الإضافة، و هو نظير أن يقال: إنّ الشمس في الفلك الرابع مشرقة و النار في جهنّم محرقة، حيث لا يراد نفي علّية الشمس و النار بذاتهما، بل بيان للمورد و الواقعة، فإذا كان الأمر بحسب الواقع في متعارف الناس و المكلّفين كذلك لا يعقل أمرهم بما هو خارج عن تحت قدرتهم، ضرورة أنّ حصول الخلوص التامّ طولا و عرضا لا يمكن لمتعارف الناس، بل و لا لخواصّهم إلّا من عصمه اللّه- تعالى.
فلو كان الإخلاص التامّ معتبرا لسقط التكليف عن عامّة الناس، لعجزهم عنه.
مع أنّه لو كان الامتثال و العبادية لا يحصل إلّا بالخلوص الكذائي كان على اللّه- تعالى- و أوليائه- عليهم السلام- بيانه و إرشاد الناس إليه و تكليفهم به، لا الترغيب فيما يضادّه و ينافيه [1].
مضافا إلى أنّ في الآيات و الروايات ما تدلّ على أنّ للأعمال الحسنة آثارا و لوازم في النشأة الآخرة، كظاهر قوله تعالى فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. [2].
[1] راجع الوسائل 1- 33- 46، كتاب الطهارة، الأبواب 5- 9 من أبواب مقدّمة العبادات.