الصدق أي كان لازما فيه أن يكون المكره مقهورا في اختياره، بمعنى أنّه ما اختاره إلّا للخوف عن مخالفة أمر الجائر.
و عدم اختياره و إرادته له تارة لأجل كراهته له و منفوريّته لديه، و أخرى لكونه مخالفا لصلاحه و إن كان مشتاقا إليه كمال الاشتياق، كالمشتهيات التي يتركها المؤمن خوفا من عذاب اللّه، فإنّه مع كمال اشتياقه بها يحمله العقل و الدين على تركه.
بطلان تفسير الإرادة بالشوق المتأكّد
و الظاهر أنّ توهّم اعتبار ذلك نشأ من توهّم أنّ الإرادة عبارة عن الشوق التامّ في طرف الفعل و الكراهة التامّة في جانب الترك، أو أنّهما من مباديها دائما.
و لهذا أنّ بعض أهل التحقيق لما رأى أنّ في الأفعال الصادرة من الفاعل ما لا يتعلّق به الشوق بل يتنفّر منه كمال التنفّر و مع ذلك يريده و يوجده كقطع يده و رجله للعلاج و الانتحار لأجل بعض الدواعي الفاسدة، قال بعد جعل الإرادة عبارة عن الشوق المتأكّد: «ما من فعل إراديّ إلّا و يصدر إمّا عن شوق طبيعيّ أو شوق عقليّ». و قال أيضا: إذا اشتدّ الشوق العقليّ و غلب على الكراهة الذوقيّة فلا محالة يشرب الدواء» [1].
و أنت خبير بما فيه من التكلّف و عدم الموافقة للموازين العقليّة لمحض توهّم أنّ الإرادة هي الشوق المتأكّد، مع أنّ أصل المبنى فاسد، فإنّ الإرادة من القوى الفعّالة الحاملة على الفعل و المحرّكة للعضلات نحوه، و الشوق و الحبّ و البغض و الكراهة من الأمور التي لا فعّاليّة لها، فالشوق لا يكون محرّكا للعضلات بلغ ما بلغ من الشدة، و الإرادة كثيرا مّا تتعلّق بأشياء مع كمال الكراهة و مع فقدان
[1] حاشية المكاسب للمحقّق الفقيه الشيخ محمّد حسين الأصفهاني 1- 121، في بيع المكره.