التنبيه الثاني: إنّ ما ذكرناه إنّما هو في الإكراه و التقيّة الإكراهية، و لا بأس بالإشارة إلى حكم سائر أقسامها: من التقيّة المداراتيّة المشروعة لمراعاة حسن العشرة معهم، و التقيّة الخوفيّة المشروعة لحفظ شأن من شؤون الشيعة، سواء كان من المتّقي أو غيره من إخوانه المؤمنين، و التقيّة الكتمانيّة، في مقابل الإذاعة و الإفشاء، الواجبة لكتمان سرّهم، كما وردت في كلّ منها أخبار عديدة.
فهل يجوز جميع أقسام التقيّة لما دون الدم، فيجوز الإضرار بالغير مالا و عرضا لقسم من الأقسام المتقدّمة أم لا؟
ربّما يقال: إنّ مقتضى صحيحة محمّد بن مسلم [1]، و موثقة أبي حمزة [2] العموم، لأنّ الظاهر منهما أنّ التقيّة فيما عدا الدم مشروعة كائنا ما كان، و كانت التقيّة ما كانت، و هو مقتضى عموم
مرسلة الصدوق: «و التقيّة في كلّ شيء حتّى يبلغ الدم، فإذا بلغ الدم فلا تقيّة» [3].
و يمكن المناقشة فيه بأنّ الروايتين الأوليين أنّما سبقتا لإفادة عدم التقيّة في الدم، و أنّه إذا بلغت الدم فلا تقيّة، و لا شبهة في إطلاقهما من هذه الجهة و في هذا الحكم، أي حرمة التقيّة في الدم، فيستفاد منهما السلب الكلّي في الدم.
[1] الوسائل 11- 483، كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، الباب 31 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 1.
[3] الجوامع الفقهية: 47، كتاب الهداية، باب التقيّة، و عنه في مستدرك الوسائل 12- 274، كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، الباب 29 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 1.