جعل الحكم عليها. و المناسبة بينه و بين الفقرة الثانية تقتضي أن يكون النفي بلحاظ نفي هذا المجعول، فكأنّه قال: إنّما وجبت التقيّة لكذا، فإذا بلغت الدم فلا وجوب.
لكن مع ذلك يكون الاحتمال الأوّل أرجح لو لم نقل بتعيّنه، لفهم العرف مع خلوّ ذهنه عن الشبهات، و لمناسبة الحكم و الموضوع، و لأنّ الظاهر أنّ الجملة سيقت لبيان أهميّة الدماء و أنّه- تعالى- أوجب التقيّة لحقنها، فإذا كان حقنها موجبة لوجوبها و كونها دينا و لا دين لمن تركها، لا محالة يكون البلوغ إلى إراقتها موجبا لحرمتها.
فهذه قرائن على أنّ النفي ليس بلحاظ نفي الحكم لو سلّم الظهور المدّعى في الوجه المتقدّم. و كذا المناسبة بين الحكم و الموضوع تقتضي أن يكون النفي بلحاظ التحريم، و الإثبات بلحاظ الإيجاب، و هذا هو التناسب بين الفقرتين، لا ما ذكرناه في الوجه السابق.
مضافا إلى أنّ نفي الموضوع في المقام بلحاظ نفي حكمه غير صحيح، و لا يكون هذا مصحّحا لنفي الموضوع لخصوصية فيه، لأنّ الأغراض الأكيدة في عامّة الناس قائمة بحفظ نفوسهم و نفوس من يتعلّق بهم، بحيث لو لا الخوف من عذاب اللّه- تعالى- و الجزاء الشرعي و العرفي الحكومات و السياسات لكان كلّ شخص يهمّ بحفظ نفسه و نفس عائلته و متعلّقيه و إن توقف على إراقة الدماء بالغة ما بلغت.
ففي مثل المورد إذا نفى الشارع وجوب التقيّة إذا بلغت الدم و لم يحرمها لا شبهة في استعمال عامّة الناس- إلّا من شذّ منهم- التقيّة لحفظ دمائهم، بل لحفظ أعراضهم، بل لا يبعد استعمالهم لحفظ أموالهم المهمّة، و مع عدم منع استعمالها في الشريعة و كثرة تحقّقها لشدّة اهتمام الناس بها لا يصحّ سلب الموضوع