ضرورة أنّ كثرتها في هذا المقام و المقامات الأخر نظيره، من غير تعرّض أو إشارة إلى التورية، دليل على عدم اعتبار العجز عنها، سيّما أنّ بعضها شاهدة على جواز الحلف كاذبا مع إمكان التورية:
كرواية معمّر بن يحيى، الصحيحة على الظاهر، قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام- إنّ معي بضائع للناس، و نحن نمرّ بها على هؤلاء العشّار فيحلّفونا عليها فنحلف لهم؟ فقال: «وددت أنّي أقدر على أن أجيز أموال المسلمين كلّها و أحلف عليها، كلّ ما خاف المؤمن على نفسه فيه ضرورة فله فيه التقيّة». [1]
إذ من المعلوم أنّ المراد بالحلف المسؤول عنه هو الحلف كذبا كما تقدّم. كما أنّ الظاهر أنّ مورد ودّ أبي جعفر- عليه السّلام- الحلف لإنجاء أموال المسلمين مورد السؤال المذكور، لا سنخ مخالف له، مع أنّ أبا جعفر- عليه السّلام- لا يعقل إلجاؤه و اضطراره إلى الكذب، لقدرته على أنحاء التورية.
بل الظاهر منها و من غيرها كمرسلة الصدوق [2]، و موثّقة زرارة [3] المتقدّمة أنّ الكذب محبوب و حسن و مأجور عليه. فلو كان في مورد إمكان التورية محرّما و لو مع غفلة الحالف، لا يصير محبوبا و أحلى من التمر، بل يكون محرّما مبغوضا و إن كان المكلّف معذورا، كسائر المبغوضات المأتي بها غفلة.
و ما ذكره الشيخ الأنصاري لرفع الاستبعاد عن تقييد الأخبار بأنّ موردها مورد الغفلة عن التورية [4]- مضافا إلى عدم تماميّته في بعض الأخبار كما أشرنا إليه، و لا يناسبه التعبير بالمأجوريّة و كونه أحلى أو أحلّ من التمر و الزبد- غير وجيه،
[1] الوسائل 16- 136، كتاب الأيمان، الباب 12، الحديث 16.
[2] الفقيه 3- 366، كتاب الأيمان و النذور، الحديث 4297.
[3] الوسائل 16- 135 كتاب الأيمان، الباب 12 من أبواب كتاب الأيمان، الحديث 6.
[4] المكاسب: 52، في المسألة الثامنة عشر من النوع الرابع، في الكذب.