و ليس حكم العقل بقبحه في ذاته بمثابة تكشف منه الحرمة الشرعيّة.
بل يمكن الاستيناس لعدم وحدة المناطين، بما دلّت في باب جواز الكذب في الإصلاح [1] على حبّ اللّه تعالى الكذب في الإصلاح، فإنّه لو كانت حرمته بمناط حكم العقل لما صار محبوبا في شيء من الموارد، لأنّ الكذب الإصلاحي على ذلك مبغوض بذاته و إن كان العبد معذورا فيه، فالحكم بالمحبوبيّة دليل على أنّ حكم الشارع بالتحريم و التجويز ليس بملاك حكم العقل، و الحمل على المحبوبيّة بالعرض خروج عن ظاهر الدليل بلا دليل.
و دعوى أنّ القبيح عقلا لا يمكن أن يصير محبوبا شرعا يمكن دفعها بأنّه وجيه لو كان المناط منحصرا بما أدركه العقل، أو كان المناط بحيث يكشف حكم الشرع منه، و لعلّ فيه مناطات أخر مجهولة علينا.
ثمّ بعد فرض عدم الدليل على وحدة المناط في حكم العقل و الشرع، لا بدّ من أخذ إطلاق أدلّة حرمة الكذب لو كان، و كذا الأخذ بالمخصّص و المقيّد و الحكم بعدم الحرمة في موردهما.
حرمة الكذب في الشرع ليست بالوجوه و الاعتبار
و هل يمكن أن يقال: إنّ حرمة الكذب في الشرع بالوجوب و الاعتبار بالمعنى المتقدّم، و إن كان قبحه بذاته عقلا؟ و ليستأنس له بروايات:
كمرسلة سيف بن عميرة عن أبي جعفر- عليه السّلام-، قال: «كان عليّ بن الحسين- عليه السّلام- يقول لولده: اتّقوا الكذب، الصغير منه و الكبير، في كلّ جدّ
[1] الوسائل 8- 578، كتاب الحج، الباب 141 من أبواب أحكام العشرة.