و إن شئت قلت: إنّ الكذب مع تجرّده عن كافّة المتعلّقات، و النظر إلى ذاته بذاته له قبح مّا عقلا لا ينفكّ عنه، و الجهات الخارجية لا تأثير لها في رفعه، و لهذا يتمنّى العاقل أن يكون الصدق مكان الكذب منجيا للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ليس ذلك إلّا لعدم رفع حزازته و قبحه و إن لزم ارتكابه، و له نظائر تظهر بالتأمّل.
حكم الشارع بالتحريم و التجويز ليس بملاك حكم العقل
ثمّ لو كان حكم الشارع بحرمته بملاك حكم العقل، فلا محالة يتبعه فيه.
فكما أنّ قبحه بناء على أقوى الوجوه باق، و لو مع عروض المصالح، تكون حرمته أيضا باقية مع ذلك، بناء على ما قوّيناه في باب تزاحم المقتضيات، و باب الأهمّ و المهمّ، من أنّ الحكم باق بفعليّته في المزاحمين و في الأهمّ و المهمّ جميعا، و إن كان المكلّف معذورا في ترك المهمّ مع الاشتغال بالأهمّ، و في أحد المتزاحمين، مع الإتيان بالمزاحم الآخر. [1] فيكون الكذب على ذلك محرّما فعلا و إن كان معذورا في ارتكابه.
و أمّا حديث وجوبه مقدّمة لإنجاء النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو لا يجتمع مع الحرمة قد فرغنا عن تهجينه، و لو قلنا بوجوب المقدّمة، فلا تنافي بينه و بين حرمة الكذب، لما قلنا من أنّه على فرض وجوبها، يكون متعلّقه هو عنوان الموصل بما هو. و التفصيل يطلب من مظانّه. [2] و لكنّ الشأن في كون الحكم الشرعي بمناط حكم العقل، إذ لا دليل عليه،
[1] راجع تهذيب الأصول «تقريرا لبحث المؤلف قدّس سره» 1- 304- 311 في مبحث إمكان الأمر بالضدين في عرض واحد.
[2] راجع المصدر السابق 1- 264 في مبحث وجوب المقدّمة حال الإيصال.