و أن يكون مقتضيا له، بمعنى أنّ فيه اقتضاءه و يؤثّر ذلك في القبح إلّا أن منعه مانع عن فعليّته، كاقتضاء النار للإحراق، فلا ينافي ذلك الاقتضاء عدم التأثير فعلا.
فعليه لا يكون الكذب المنجي للمؤمن من الهلكة قبيحا فعلا، و معنى كونه مقتضيا أنّه لو لا ذلك المانع لصار فعليّا، فحينئذ يكون الكذب مزاحا، و في موارد لا يترتّب عليه صلاح و لا فساد قبيحا، لاقتضائه الذاتي و فقدان ما يمنعه عن الفعليّة. و ليعلم أنّ الاقتضاء و التأثير و العلّية، كلّها هاهنا ليست على حذو علل التكوين.
و أن يكون لا اقتضاء ذاتا، و يكون قبحه و حسنه بالوجوه و الاعتبار، و عروض جهات مقبّحة أو محسّنة، و لا يكون قبيحا و لا حسنا مع عدم عروض شيء منهما.
و هذا هو المراد من كون القبح بالوجوه و الاعتبار، و إن يظهر من الشيخ الأنصاري [1] في المقام الثاني ما يشعر بخلاف ذلك.
و الظاهر أنّ هذا الاحتمال أضعف الاحتمالات، فإنّ العقل يدرك قبحه و حزازته في نفسه، فيرى الكذب الذي لا يترتّب عليه مفسدة و مصلحة، قبيحا له حزازة بلا شبهة.
و إنّما الكلام في الاحتمالين الآخرين، و لا يبعد ترجيح الأوّل، بدليل أنّه في المورد الذي يتوقّف إنجاء النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو المؤمن على الكذب، يرى العقل أنّه لو كان إنجاؤه متوقّفا على الصدق كان أحسن، فلا يسوّي بين الكذب و الصدق التقديري في هذا المورد. و هذا شاهد على أنّ العقل يدرك قبحه فعلا لا اقتضاء بالمعنى المتقدّم.
[1] المكاسب للشيخ الأعظم: 50، المسألة الثامنة عشر من النوع الرابع، في الكذب.