و لو سلّمت دلالتها على حرمة الكذب، لكن يمكن أن يكون جعله عدلا للشرك بملاحظة بعض مصاديقه، كشهادة الزور، كما دلّت عليه الروايات، و الكذب على اللّه تعالى و رسوله [1]، و البدع [2]، و نحوها.
و كون الكذب بكثير من مصاديقه ذا مفسدة عظيمة، يكفي في جعله مقارنا للشرك تعظيما له، و لا يلزم أن يكون بجميع مصاديقه كبيرة. و جعله بإطلاقه قرينا له، لا يوجب كونه بإطلاقه كبيرة، و ليس إطلاق للآية من هذه الجهة يؤخذ به كما لا يخفى، فتدبّر.
و أمّا صحيحة عبد العظيم- عليه السّلام- فلا تكون مؤيّدة للمطلوب، لأنّ الآية النازلة في الخمر و الميسر تفارق الآية في قول الزور، فإنّ في قوله إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ[3] جعلت العناوين الأربعة أو الثلاثة موضوعة لقوله: رجس من عمل الشيطان و للنهي، فتكون وحدة السياق و وحدة النهي شاهدة على المطلوب، و لهذا استشهد أبو عبد اللّه- عليه السّلام- في الصحيحة لكون الخمر كبيرة، بأنّ اللّه- تعالى- نهى عنها كما نهى عن عبادة الأوثان، و لعلّ نظره إلى وحدة الأمر و كيفيّة الأداء في المذكورات.
ثمّ لا يخفى أنّ الأمر بالاجتناب بمنزلة النهي و في قوّته.
و أمّا قوله فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ[4] يكون فيه الأمر بالاجتناب مكررا، فلم تكن هذه الآية بمثابة الآية المتقدّمة، و لعلّ في التّكرار نحو إشارة إلى اختلافهما.
[1] الوسائل 8- 575، كتاب الحج، الباب 139 من أبواب أحكام العشرة.
[2] المحاسن 1- 207، باب البدع من أبواب كتاب مصابيح الظلم.