و بالنسبة الى المحجوبين الغافلين عن اللذات الحقيقية ايضا عذب من وجه , كما
جاء فى الحديث أن بعض اهل النار يتلاعبون فيها بالنار , و الملاعبة لا ينفك عن
التلذذ و ان كان معذبا لعدم وجدانه ما آمن به من جنة الأعمال التى هى الحور و
القصور .
و بالنسبة الى قوم يطلب استعدادهم البعد من الحق , و القرب من النار , و هو
المعنى بجهنم ايضا عذب و ان كان فى نفس الأمر عذابا كما يشاهد هنا ممن يقطع
سواعدهم و يرمى انفسهم من القلاع مثل بعض الملاحدة . و لقد شاهدت رجلا سمر فى
اصول اصابع احدى يديه خمسة مسامير غلظ , كل مسمار مثل غلظ القلم , و اجتهد
المسمر ليخرجه من يده فما رضى بذلك و كان يفتخر به و بقى على حاله إلى أن أدركه
الأجل .
و بالنسبة الى المنافقين الذين لهم استعداد الكمال و استعداد النقص و ان كان
اليما لادراكهم الكمال , و عدم امكان وصولهم اليه , لكن لما كان استعداد نقصهم
اغلب رضوا بنقصانهم و زال عنهم تألمهم بعد انتقام المنتقم منهم بتعذيبهم , و
انقلب العذاب عذبا . كما نشاهد ممن لا يرضى بامر خسيس أولا , ثم اذا وقع فيه و
ابتلى ربه و تكرر صدوره منه تألف به و اعتاد فصار يفتخر به بعد أن كان يستقبحه
.
و بالنسبة الى المشركين الذين يعبدون غير الله من الموجودات فينتقم منهم
المنتقم لكونهم حصروا الحق فيما عبدوه , و جعلوا الاله المطلق مقيدا . و أما من
حيث إن معبودهم عين الوجود الحق الظاهر فى تلك الصورة ( المعبودية ) فما
يعبدون إلا الله , فرضى الله عنهم من هذا الوجه فينقلب عذابهم عذبا فى حقهم .
و بالنسبة إلى الكافرين ايضا و ان كان العذاب عظيما لكنهم لم يتعذبوا به
لرضاهم بما هم فيه فان استعدادهم يطلب ذلك كالأتونى الذى يفتخر بما هو فيه .
و عظم عذابه بالنسبة إلى من يعرف أن وراء مرتبتهم مرتبة , و ان ما هم فيه عذاب
بالنسبة اليها . و انواع العذاب غير مخلد على اهله من حيث انه عذاب لانقطاعه
بشفاعة الشافعين , و آخر من يشفع هو ارحم الراحمين كما جاء فى الحديث الصحيح .
لذلك ينبت الجرجير فى قعر جهنم لانقطاع النار و ارتفاع العذاب , و بمقتضى
سبقت رحمتى غضبى , فظاهر الايات التى جاء فى حقهم التعذيب كلها حق .
و نحو ما تقدم من الفص الاسماعيلى قال صاحب الفصوص و الشارح القيصرى فى
الفص اليونسى ايضا من ان مال اهل النار الخالدين فيها إلى النعيم و لكن فى النار
, و انه ما