على مراتب كثيرة لا تحصى : و هى الجنة و النار و الأعراف الذى بينهما , على ما
نطق به الكلام الالهى . و لكل منها اسم حاكم عليه يطلب بذاته اهل ذلك المقام
لأنهم رعاياه , و عمارة ذلك الملك بهم .
و الوعد شامل للكل إذ وعده فى الحقيقة عبارة عن ايصال كل واحد منا الى كماله
المعين له أزلا . فكما أن الجنة موعود بها , كذلك النار و الأعراف موعود بهما
. و الايعاد ايضا شامل للكل فان اهل الجنة يدخلون الجنة بالجاذب و السائق , قال -
تعالى -
( : و جاءت كل نفس معها سائق و شهيد) [1] , و الجاذب المناسبة الجامعة بينهما بواسطة الأنبياء و الأولياء , و
السائق
الرحمن بالإيعاد و الإبتلاء بانواع المصائب و المحن , كما أن الجاذب إلى النار
المناسبة الجامعة بينها و بين اهلها , و السائق الشيطان . فعين الجحيم موعود لهم
لا متوعد بها .
و الوعيد هو العذاب الذى يتعلق بالاسم المنتقم , و تظهر احكامه فى خمس طوائف
لا غير , لأن أهل النار : أما مشرك أو كافر أو منافق أو عاص من المؤمنين , و
هو ينقسم بالموحد العارف الغير الكامل , و المحجوب . و عند تسلط سلطان المنتقم
عليهم يتعذبون بنيران الجحيم كما قال تعالى :
( أحاط بهم سرادقها) [2]
( و نادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون)
[3] و
( لا يخفف عنهم العذاب و لا هم ينظرون)
[4] و
( قال اخسئوا فيها و لا تكلمون)
[5] . فلما مر عليهم السنون و الأحقاب و اعتادوا بالنيران , و نسوا نعيم
الرضوان ,
( قالوا سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيض)
[6] , فعند ذلك تعلقت الرحمة بهم و رفع عنهم العذاب .
مع أن العذاب :
بالنسبة إلى العارف الذى دخل فيها بسبب الأعمال التى تناسبها عذب من وجه ,
و ان كان عذابا من وجه آخر ( كحكة الأجرب ) كما قيل :
(
و تعذيبكم عذب و سخطكم رضى *** و قطعكم وصل وجوركم عدل)
لأنه يشاهد المعذب فى تعذيبه فيصير التعذيب سببا لشهود الحق و هو أعلى ما يمكن
من