و جواب آخر ايضا خطر بالبال ذلك الوقت , و حاصله : أنه قد روى أن ملائكة
التصوير اذا ارادوا تصوير النطفة ذكرا أو أنثى , يقولون يارب على أى صورة
نصوره ؟ فان كان ذكرا قال سبحانه : احضروا صور ابيه إلى آدم و صوروه مثل واحدة
منها , و إن كان انثى قال : احضروا صور امهاته إلى حواء فصوروه على صورة مثل
واحدة منها . و من ثم
قال عليه السلام( : لا ينبغى لأحد أن يطعن فى نسب ولده لأجل أنه لا يشبهه فى
الصورة فلعله انما صور مثل واحد من آبائه)
. و هذا فى غير ابينا آدم - عليه السلام - و أما هو فليس له آباء و لا أمهات
حتى يصور مثل واحدة منها , بل خلق على تلك الصورة التى خلق عليها .
و قال المحقق صاحب غوالى اللئالى المراد بالصورة الصورة المعنوية كما قال
تخلقوا باخلاق الله , فيكون الضمير حينئذ راجعا إلى الله سبحانه و تعالى , يعنى
على صورة الله المعنوية . و مصداقه الحديث القدسى قال فيه :
( إذا تقرب عبدى الى بالنوافل كنت سمعه الذى به يسمع , و يده التى بها
يبطش , و رجله التى بها يمشى , الحديث)
.
و قال السيد المرتضى - نور الله مضجعه - إن على بمع مع يعنى أن الله سبحانه
خلق
مادته مع صورته . فيكون ردا على ما زعمه الطبيعيون من ان المادة مخلوقة و الصورة
من مقتضياتها .
و الذى ورد فى تفسير هذا الحديث من الاخبار حديثان - ثم نقل الخبرين المذكورين
من الكافى و العيون , ثم قال بعد نقلهما ما هذا لفظه - : و كان المرتضى طاب
ثراه أنما تكلم على معنى الحديث بما سمعت , من جهة ان هذين الخبرين لم يثبتا
عنده بناء على اصله من عدم الاعتماد على العمل باخبار الاحاد . [1] .
اقول : عبارته اخيرا( : فيكون ردا على ما زعمه الطبيعيون) . . . كانت فى
الطبع المذكور , و فى مخطوطتين من الأنوار النعمانية , كما نقلناها , و لكن
الصواب أن يقال( : على ما زعمه الطبيعيون من أن المادة ليست مخلوقة و
الصورة من مقتضياتها) .
ثم ان شئت فراجع إلى([ باب تأويل قوله - تعالى -
( و نفخت فيه من روحى
, و روح منه )
و قوله - صلى الله عليه و آله و سلم ( : - خلق الله آدم على صورته)
من البحار [2] .
[1] الانوار النعمانية , الطبع الحجرى المعروف بطبع حاج موسى ص 75 .
[2] بحار الانوار , طبع الكمبانى , ج 2 , صص 109 و 107 .