من القوى فانها تدرك الكثير كثيرا كما هو و الواحد واحدا كما هو , و لا يمكنها
أن تدرك الواحد البسيط , بل الواحد من حيث هو جملة مركبة من امور و أعراضها ,
و لا يمكنها أن تفصل العرضيات و تنزعها من الذاتيات . الى آخر ما أفاد .
و الفخر فى الموضع المذكور من المباحث حرره بقوله( : اما قوتها على توحيد
الكثير فمن وجهين : الاول بالتحليل لأنها اذا حذفت عن الاشخاص الداخلة تحت
النوع مشخصاتها و سائر العوارض اللاحقة بها بقيت الحقيقة النوعية ماهية متحدة و
حقيقة واحدة .
و الثانى بالتركيب لأنها اذا أعتبرت المعنى الجنسى و الفصلى أمكنها أن يقترن
الفصل بالجنس بحيث تحصل منهما حقيقة متحدة اتحادا طبيعيا لا صناعيا .
و اما قوتها على تكثير الواحد فهى أن تميز ذاتها عن عرضها و جنسها عن فصلها و
جنس جنسها عن جنسها بالغة ما بلغ , و فصل فصلها و فصل جنسها عن فصلها بالغة ما
بلغت , و تميز لازمها عن مفارقها و قريبها عن بعيدها و الغريب منها عن الملائم
, فيكون الشخص الواحد فى الحس واحدا لكنه فى العقل امور كثيرة و لذلك يكون
ادراك العقل أتم الادراكات , بل كان العقل يتغلغل فى ماهية الشى ء و حقيقته , و
يستنتج منها نتيجة مطابقة لها من كل الوجوه , و اما الادراكات الحسية فانها
مشوبة بالجهل فان الحس لا يدرك الا ظاهر الشى ء , و أما باطنه و ماهيته فذلك
مما لا يحيط الحس به) .
اقول : كتاب المباحث من اوله الى آخره بالنسبة الى مطالب الشفاء و مسائله
ليس إلا على هذا الوجه الذى نقلناه . أعنى أنه حرر ما فى الشفاء تحرير تلخيص مع
تمثيل و توضيح . و لذلك كان المباحث لباحثى الشفاء و فاحصيه نعم العون و
البيان .
و صاحب الأسفار إذا اراد نقل اقوال المشاء و آرائهم نقل غالبا عن المباحث ,
و قد يعين موضع نقله من المباحث و يذكر الفخر , و كثيرا ما يهملها لأن غرضه
كان
ارائة قول المشاء ثم تحرير افكاره البديعة , و ليس ذلك مما يزريه و يشينه مثلا
أن يقال أنه نقل المطلب من المباحث و لم يذكر الكتاب او المصنف فيعد عمله
من الاختلاس .
و انا اقول : ذلك ليس باقتباس فضلا أن يكون اختلاسا لأنه يريد فى النقل
ارائة
الحكمة الدارجة ثم بعدها يحقق الحكمة المتعالية العارجة , و الامر كما يقول هو فى
آخر الفصل الخامس عشر من الطرف الاول من المرحلة العاشرة فى اتحاد العاقل
بالمعقول بعد تحقيقه فى العقل البسيط و بيانه ما هذا لفظه :
اقول هذا المقصد ارفع قدرا و اجل منالا من أن ينال غوره مثل هذا الرجل بقوة