النفسانى مجردة عن المادة الخارجية حاضرة عند النفس المدركة قائمة بها قيام
الفعل بفاعله لا قيام المقبول بقابله . و البرهان عليه يستفاد مما برهنا به على
اتحاد العقل بالمعقول فانه بعينه جار فى جميع الادراكات الحسية و الخيالية و
الوهمية .
و قد نبهنا على هذا المطلب فى مباحث العقل و المعقول و قلنا ان الاحساس
مطلقا ليس كما هو المشهور من عامة الحكماء ان الحس يجرد صورة المحسوس بعينه
من مادته و يصادفها مع عوارضها المكتنفة , و كذا الخيال يجردها تجريدا اكثر ,
لما
علم من امتناع أنتقال المنطبعات , بل الادراكات مطلقا انما تحصل بأن يفيض من
الواهب صورة أخرى نورية ادراكية يحصل بها الادراك و الشعور فهى الحاسة بالفعل و
المحسوسة بالفعل و اما وجود صورة فى مادة فلا حس و لا محسوس إلا أنها من المعدات
لفيضان تلك الصورة مع تحقق الشرائط و قد نص على ما اخترناه فى الابصار
الفيلسوف المعظم فى كتابه المعروف باثولوجيا .
و كذا نص بما اختاره فى آخر الموقف السادس من آلهيات الأسفار [1] حيث
قال([ : ايضاح عرشى , اعلم أن حقيقة الابصار ليست كما هو المشهور و فهمه
الجمهور انه إما بانطباع شبح المرئى فى العضو و الجليدى و انفعاله عنه كما قاله
الطبيعيون , و لا بخروج الشعاع على هيأة مخروط بين العين و المرئى سواء كان
الشعاع جسما موجودا فى الخارج أو شيئا آخر , و لا كما اختاره الشيخ المقتول من أن
للنفس بواسطة البدن و وضعه بالقياس الى الصورة المادية يقع علم حضورى لتلك
الصورة المادية . اذ الكل باطل عندنا كما فصل فى مقامه : بل حقيقة الابصار
عندنا هى انشاء النفس صورة مثالية حاضرة عندها فى عالم التمثل مجردة عن المادة
الطبيعية , و نسبة النفس اليها نسبة الفاعل المنشى للفعل الى ذلك الفعل , لا
نسبة القابل المستكمل بكمال الى ذلك الكمال . و إنما الحاجة فى الابصار الى وجود
هذه الالة العضوية , و الى وجود الصورة الطبيعية , و وضع مخصوص بينهما , و عدم
امر حاجز بينهما , و غير ذلك من الشرائط , ليست لأن مطلق الابصار لا يتحقق إلا
بهذه الشرائط و إلا لما يتحقق الابصار فى حالة النوم او نحوه , بل تلك لأجل أن
النفس فى أوائل الفطرة ضعيفة الوجود , غير مستغنية القوام فى وجودها عن مادة
بدنية , و كذا فى ادراكاتها . فكما أن وجودها غير وجود البدن و إن افتقرت اليه
فى الوجود , فكذلك ادراكها البصرى ليس بهذا العضو و ان افتقرت إليه فى الابصار
. و كما أن لها أن تستغنى عن هذا البدن الطبيعى عند استكمالها