و الشيخ فى الاشارات قد خالف جمهور المشاء فى عدة مسائل منها فى هذه المسألة
, و قد أشار فى مواضع الى المخالفة بقوله( : و تحت هذا سر) . و لكن ها هنا
لم
يتكلم بذلك و لم يرمز اليها بعبارة أخرى . و العجب أن الشارحين أعنى بهما
المحقق
الطوسى و الفخر الرازى لم يتعرضا فى الشرح بعدوله و ما نطقا بتربيع الادراك و
تثليثه , نعم للأول منهما كلام ستسمع بعد . فقال الشيخ :
تنبيه : الشى ء قد يكون محسوسا عندما يشاهد .
ثم يكون متخيلا عند غيبته بتمثل صورته فى الباطن كزيد الذى ابصرته مثلا إذا غاب
عنك فتخيلته .
و قد يكون معقولا عندما يتصور من زيد مثلا معنى الانسان الموجود ايضا لغيره و هو
عندما يكون محسوسا قد يكون قد غشيته غواش غريبة عن ماهيته لو أزيلت عنه لم
تؤثر فى كنه ماهيته مثل أين , و وضع , و كيف , و مقدار بعينه لوتوهم بدله غيره
لم يؤثر فى حقيقة ماهية انسانيته .
و الحس يناله من حيث هو مغمور فى هذه العوارض التى تلحقه بسبب المادة
التى خلق منها لا يجرده عنها و لا يناله الا بعلاقة وضعية بين حسه و مادته و لذلك لا
تتمثل فى الحس الظاهر صورته اذا زال .
و أما الخيال الباطن فيتخيله مع تلك العوارض لا يقتدر على تجريده المطلق
عنها لكنه يجرده عن تلك العلاقة المذكورة التى تعلق بها الحس فهو يتمثل صورته مع
غيبوبة حاملها .
و أما العقل فيقتدر على تجريد الماهية المكنوفة باللواحق الغريبة المشخصة
مستثبتا إياها حتى كأنه عمل بالمحسوس عملا جعله معقولا .
اقول : كلام الشيخ صريح على التثليث حيث ثلث القسمة بقوله( : الشى ء قد يكون
محسوسا , ثم يكون متخيلا , و قد يكون معقولا) . على انه جعل عنوان البحث
تنبيها
و هو يدل على ظهور الأمر أعنى التثليث فى الادراك , و عدم احتياجه الى برهان .
قوله( : لم تؤثر) , اى لم تؤثر الازالة المستفادة من قوله لو ازيلت .
قوله لو توهم بدله غيره , الفعل مجهول و بدله منصوب و غيره مرفوع .
قوله( : اذا زال , أى اذا غاب) و قوله( : عن تلك العلاقة المذكورة) ,
أى الوضعية .
قوله( : فهو يتمثل صورته) , أى الخيال يتمثل صورة ذلك الشى ء .