الكليات بذاتها و الجزئيات بواسطة قواها و هى المدركة مطلقا و هى مبدء افاعيل
قواها يصدر عنها افعالها فى الحقيقة بها أى النفس هى فاعلها واقعا .
تبصرة : فى بيان الالة و الواسطة .
يعبرون عن القوى النفسانية تارة بالالات , و أخرى بالوسائط . فالالة هى ما يؤثر
الفاعل فى منفعلة القريب منه بتوسطه . و الواسطة هى معلول تصير هى علة لغيره
من حيث يقاس إلى طرفيه فأحد الطرفين معلول و الاخر علة بعيدة , و الواسطة علة
قريبة . فكل آلة واسطة و لا ينعكس فتكون الواسطة أعم مطلقا . هذا ما أفاده
المحقق الطوسى فى شرحه على الفصل التاسع عشر من النمط الأول من الاشارات [1]
فى بيان كيفية تعلق الهيولى و الصورة . و فى صدر المنطق منه فى بيان أن المنطق
آلة قانونية تعصم الانسان مراعاتها عن أن يضل فى فكره [2] . و ما أفاده المحقق
الطوسى هو مستفاد من كلام الشيخ فى الخامس من ثالثة نفس الشفاء المترجم فى
اختلاف المذاهب فى الرؤية حيث قال( : فنقول : لا يخلوا لهواء حينئذ إما أن
يكون آلة و إما أن يكون واسطة) - إلى أن قال( : و أما إذا لم يجعل ذلك آلة ,
بل واسطة تنفعل أولا من البصر ثم يستتم كونها واسطة فبالحرى أن نتأمل - الخ)
[3] .
إذا علمت الفرق بينهما عرفت أن اطلاق الواسطة على القوى النفسانية أولى من
الالة لأن القوى معلولاتها و شئونها و علل ما تصدر عنها كما تقول إن الأرواح و
العقول و الكمل و سائط فيض الحق سبحانه و ان كان علة العلل و الفياض على
الاطلاق هو الله - تعالى شأنه - .
تتمة : بما قدمنا علم أن المدرك لجميع المدركات بجميع اصناف الادراكات هو
النفس وحدها . و نقل الفخر الرازى فى المباحث المشرقية فى ذلك عدة براهين ,
و مباحث أخرى , فان شئت فراجع إليه [4] .