أقول : غرضنا من نقل كلامه هو ما أسند إلى الشيخ من أن القوى النفسانية كلها
جسمانية , و أن كل قوة خاصة يصدر عنها فعل خاص . و أما كون القوى كلها جسمانية
عند الشيخ فسيأتى البحث عنها و التحقيق فيها فى العيون الاتية . و أما ما جعل
قول الشيخ فى قبال القول الأول فهو بمعزل عن التحقيق و ذلك لأن مفاده إن كان
النفس مبدء تلك القوى و يصدر عنه الأفاعيل بواسطتها فهو القول الأول و هو قول
الشيخ فى صحفه الحكمية كالفصل السابع من النمط الثالث من الاشارات فى البحث
عن الادراك , و الفصل الرابع من المقالة الاولى من نفس الشفاء فى أن اختلاف
افاعيل النفس لاختلاف قواها , و غيرهما من كلماته السامية الناصة على ذلك . ثم
ان كون النفس مبدءا لها ليس بمعنى أنها آمرة لها ممتازة عنها امتياز بينونة ,
و هى مؤتمرة عنها ممتازة كذلك كاحاد دائرة جمع مثلا . فانه محال أن يتحقق وحدة
شخصية بانضمام آحاد كذلك بعضها ببعض , و مثل الشيخ أجل شأنا بمراتب و مراحل
من أن يخفى عليه أمثال هذه المسائل .
و العجب أن صاحب المباحث بعد الفصلين من الفصل المذكور و هو الفصل الأول
من
الباب السادس من نفس المباحث فى خواص النفس الانسانية ذكر فيه عشر خواص ,
كلها منقولة من الفصل الأول من خامسة نفس الشفاء , ثم نقل الخاصية العاشرة
منها فى المباحث هكذا( : و منها شرح العقل النظرى و العقل العملى , قال
الشيخ : للانسان قوة تختص بالاراء الكلية , وقوة تختص بالروية فى الأمور
الجزئية
فيما ينبغى أن يفعل و يترك مما ينفع و يضر و يحمد و يقبح و يكون خيرا أو شرا و
يكون ذلك بضرب من القياس و التأمل) - إلى آخر ما نقل كلام الشيخ [1] .
ثم قال بعد نقل كلامه ما هذا لفظه( : أقول هذا الكلام مشعر باعتراف الشيخ بأن
النفس تدرك الجزئيات فان التروى فى أن هذا الفعل قبيح أو جميل لا بد و
أن يكون موضوع صغراه شخصيا , و لا بد و أن يكون كبراه كليا
, و لا يمكنه
عمل القياس إلا بعد العلم بالصغرى و الكبرى فاذا ها هنا شى ء عالم بالكليات و
الجزئيات معا) . انتهى .
أقول : هذا كلام حق فى حق الشيخ بأن ها هنا شيئا و هو النفس الانسانية عالم
بالكليات و الجزئيات , إلا أن ادراك الجزئيات معدات للوصول إلى الكليات , و
النفس تدرك
[1] المباحث للفخر الرازى , ط ( حيدر آباد الدكن ) , ج 2 , ص 412 .