أقول : لا يخفى عليك وهن ما احتجوا به بظاهره فان حصول النفس الغذائية فى
النبات و عدم النفس الحيوانية فيه , و كذا حصول النفس الغذائية و الحسية فى
الحيوانات و عدم النفس الناطقة فيها , و تغاير كل واحدة منها عن الأخرى , و
استغنائها كذلك , ثم اجتماعها فى الانسان , كيف تدل على اجتماعها فى الانسان
متكثرة متغائرة . نعم , إنها مجتمعة فى الانسان من حيث إن الشى ء فى سيره
التكاملى ما لم يستوف جميع كمالات ما دونه لا يعتلى إلى ما فوقها لبطلان الطفرة ,
فهو واجدها بوحدته الجمعية و هويته الشخصية فهى كلها فروع اصل فارد , بل شئونها
, و لذلك يسند جميع أفعالها مطلقا إلى أنانية واحدة و شخصية فاردة .
و مما يجب هيهنا التنبيه على أن القول به سخف , هو اسناد صاحب المباحث ما
أسند إلى الشيخ الرئيس فى ادراك الجزئيات فانه قال فى الفصل المذكور المترجم
فى احتجاج القدماء على وحدة النفس ما هذا لفظه :
( اعلم أنا قد بينا أن نفس الانسان هى ذاته و حقيقته و كل عاقل يعلم ببداهة
عقله أن ذاته و حقيقته أمر واحد لا أمور كثيرة , و بالجملة فعلم الانسان بوجوده و
وحدته علم بديهى جلى فكيف يكون ذلك مطلوبا بالبرهان ؟ بل المطلوب بالبحث و
النظر فى كتاب النفس معرفة ماهيتها وقواها و كيفية أحوالها من الحدوث و
القدم , و لكن القدماء لما فرقوا أصناف الأفعال على أصناف القوى , و نسبوا كل
واحد منها إلى قوة أخرى , احتاجوا إلى بيان أن فى جملتها شيئا هو كالأصل و المبدء
, و أن سائر القوى كالتوابع و الفروع) .
أقول : قوله إلى هيهنا فى تحرير محل النزاع و فعل القدماء لانزاع فيه , و انما
قال بعد ذلك( : فلنذكر المذاهب المقولة فى هذا الباب , و لنذكر دليل كل
فرقة : فذهب بعضهم إلى أن النفس واحدة , و هم على قسمين : فمنهم من قال :
النفس
تفعل كل الأفاعيل بذاتها , لكن بواسطة الالات المختلفة , و هذا هو الحق عندنا على
ما مضى .
و منهم من قال : النفس مبدء لوجود قوى جسمانية كثيرة ثم يصدر عن كل قوة خاصة
فعل خاص و هو مذهب الشيخ . و منهم من قال : النفس ليست واحدة و لكن فى البدن
نفوس عدة , بعضها حساسة , و بعضها مفكرة , و بعضها شهوانية , و بعضها غضبية)
.
[1] المباحث للفخر الرازى , ط ( حيدر آباد الدكن ) , ج 2 , ص 404 - 405 .