التفوه بالعلة و المعلول سواء كان فى الحق و شئونه أو فى النفس و اطوارها . و
هذه النكتة العليا التى هى من نسائم القدس ليست مما انفرد به صاحب الاسفار ,
بل و عليه قاطبة مشائخ أهل العرفان المرزوقين مع الايمان بما جاء به الوحى و قام
به البرهان , بالكشف و الوجدان . و هى اصل اصيل من اصول مسائل النفس , و
المتأله السبزوارى على هذه الدقيقة الأنيقة قال :
(
النفس فى وحدته كل القوى *** و فعلها فى فعله قد انطوى)
فتلك الكلمة الطيبة متكلمة بأن قوى النفس ليست من معلولاتها , بل للنفس
وحدة حقة ظلية ذات شئون و اطوار و اسماء و مظاهر فالنفس عالية فى دنوها , و
دانية فى علوها , فكما تقول تعقلت تقول احسست و حركت و تحركت و تنسب الكل
إلى نفسك فالنفس تقول مثلا ايتها المدركة تدرك بقوتى , و ايتها المحركة تحرك
بحولى , و لا حول و لا قوة لكما و لغيركما إلا بى . فلو لا الاتحاد بين النفس و
القوى لما تألمت بسوء مزاج او تفرق اتصال يحدث فى البدن ألما حسيا بل كانت
كمن يحب أحدا و المحبوب يتألم بتفرق اتصال و المحب يغتم بذلك , فالنفس لها
وحدة جمعية هى ظل الوحدة الحقة الحقيقية , .
كيف مد الظل نقش اولياست *** كو دليل نور خورشيد خدا است [1]
ثم هذا الحكم الحكيم ماض فى غير النفس و قواها أعنى أن كل بسيط الحقيقة هو
كل الأشياء التى يحسب فى بادى ء النظر انها تحته فان ذلك البسيط ليس الا تلك
الاشياء و هى ليست إلا ذلك البسيط و هو محيط بها لا عليها كاحاطة الهواء على
الارض مثلا قال سبحانه :
( و كان الله بكل شى ء محيطا) [2] .
و نعم ما افاد صاحب الفتوحات من أن النفس الناطقة هى العاقلة و المفكرة و
المتخلية و الحافظة و المصورة و المغذية و المنمية و الجاذبة و الدافعة و
الهاضمة و الماسكة و السامعة و الباصرة و الطاعمة و المستنشقة و اللامسة و
المدركة لهذه الأمور فاختلاف هذه القوى و اختلاف الأسماء ليس بشى ء زائد عليها
بل هى عين كل صورة . انتهى .
ثم أقول : بل البدن و محال القوى أيضا ظل النفوس و ظلالها و قد تقدم فى العين
السادسة ما يجديك فى المقام . فاعتل من هذه اللطيفة و هى أن البدن ظل النفس ,
إلى فهم