الأكبر فى الفص العيسوى من فصوص الحكم , و العلامة القيصرى فى الشرح . فقال
الشيخ :
([ و أما الاحياء المعنوى بالعلم , فتلك الحيوة الالهية الذاتية العلية
النورية , التى قال الله فيها :
( أومن كان ميتا فأحييناه و جعلنا له نورا يمشى به فى الناس)
[1] . فكل من يحيى نفسا ميتة بحيوة علمية فى مسئلة خاصة متعلقة بالعلم بالله
فقد أحياه بها , و كانت له نورا يمشى به فى الناس أى بين أشكاله فى الصورة .
و قال الشارح القيصرى([ : إنما جعل الحيوة الحاصلة بالعلم حيوة إلهية ذاتية
لأن حقيقة العلم عين الذات , و كذلك حقيقة الحيوة أيضا . فالعلم و الحيوة فى
المرتبة الأحدية شى ء واحد . و لما كان العلم أشرف الصفات الالهية , إذ به تظهر
الحقائق الالهية و الكونية , و صفه بالعلو . و من حيث انه يظهر الأشياء وصفه
بالنورية , إذ النور هو ما يظهر لنفسه و يظهر لغيره . و وصفه - رضى الله عنه -
اياها بالصفات الكمالية اشارة إلى أن الحيوة العلمية أشرف من الحيوة الحسية
لأنها حيوة الروح , و الحيوة الحسية حيوة الجسد , و الروح أشرف من الجسد
فحيوتة
أيضا كذلك , لكن الحسية أوقع فى النفوس من العلمية لأنها مترتبة على القدرة
التامة التى هى أيضا من الخصائص الالهية لذلك صار أعز وجودا و أعظم وقعا .
و لما كان للعلم مراتب و أعظمها العلم بالله و إسمائه و صفاته خصه بالذكر , و
ان كان بحسب كل منها يحصل حيوة مناسبة لها .
و قد أعطى الله أولياءه الكمل نصيبا تاما من الحيوة العلمية , ليفيضوا على
نفوس المستعدين المؤمنين بهم منها فيحيونهم بالنور الالهى و يمشون به فى الناس
, كما قال :
( أومن كان ميتا)
أى بموت الجهل
( فاحييناه)
أى بالحيوة العلمية
( و جعلنا له نورا)
و هو العلم
( يمشى به فى الناس)
فيدرك ما فى بواطنهم من استعداداتهم و خواطرهم و نياتهم , و ما فى ظواهرهم من
أعمالهم المخفية من الناس , بذلك النور .
و قوله( : أى بين اشكاله فى الصورة) المراد بالشكل ماله التشكل و هو
البدن
, أى ذلك النور يسرى بين ابدان الناس فيدرك ما فيها من النفوس و لوازمها و
استعداداتها التى لا يطلع عليها إلا من شاء الله من الكمل .
و يجوز أن يكون المراد منها الهيئات و الأوضاع التى للبدن , الظاهرة فى
الصورة
الانسانية , إذ المتفرسون يدركون منها ما فى نفوسها و قواها , و ما هى عليها من
الأعمال .