اقول : مراده أن الاستيكار يدل على تجرد النفس فى بدأ حدوثها مع البدن على
ما هو رأى المشاء كما اشرنا اليه فى تاسعة العيون . و القصيدة العينية للشيخ فى
النفس ناظرة الى الاستيكار كما صرح فى مطلعها بقوله :
هبطت اليك من المحل الارفع *** و رقاء ذات تعزز و تمنع
ثم قال المحقق بعد ذلك( : اعلم ان انكسار تضاد الكيفيات و استقرارها على
كيفية متوسطة و حدانية نسبة ما لها الى مبدئها الواحد , و بسببها تستحق لأن
يفيض
عليها صورة او نفسا تحفظها فكلما كان الانكسار اتم كانت النسبة اكمل و النفس
الفائضة بمبدأها اشبه) .
و اقول : كلامه السامى فى اعتدال المزاج حكم محكم و اصل رصين فى النفس
المكتفية التى هى المركز و القطب و ما سواها من النفوس و غيرها تدور حولها
فما كانت اقرب منها فهو ذو مزاج اعدل فهكذا الأقرب فالأقرب , و على خلافه
الابعد فالابعد .
و لا بأس بأن نأتى بكلمات جامعة من صحف اهل التحقيق فى المعارف الالهية
توجب زيادة بصيرة للنفوس المستعدة :
قال صائن الدين على فى الفصل الستين من شرحه الموسوم بتمهيد القواعد على قواعد
التوحيد([ : إن الصورة حيثما اعتبرت آلهية كانت او كونية تقتضى أن تكون دورية
, و إن المركز منها هو المظهر للحقيقة الحقة الموجودة بالذات اولا , و إن سائر
النقط الباقية إنما هى مظاهر النسب الاسمائية و الأعيان الاعتبارية و لهذا لا
يتمايز
وجوداتها إلا باعتبارها الى مقابلاتها و نسبتها إلى أضدادها , و اما نقطة المركز
فليس لها مقابل و لا ضد و لا ند بل هو الواحد الحقيقى الذى تعين به سائر النقط و
مقابلاتها . و ما سمعت من أن مظهر الوحدة الحقيقية هو الصورة الاعتدالية انما
المراد به هذا المعنى .
ثم إن كل ما كان من تلك النقط اقرب الى المركز كانت آثار الوحدة و الوجوب
فيها اكثر و احكامها يكون اشمل و كلما كان ابعد كانت آثار الكثرة و الامكان
فيها اكثر و احكامها يكون اقل شمولا و اقصر نسبة لوجود مقابلة باثارة الخاصة
المقابلة لاثارها و احكامها فحينئذ يكون الموجودات على ثلاثة اقسام :
منها ما يكون متوسطا فى احكام الوحدة و الكثرة و هى الحقيقة النوعية الانسانية
.