جعل هذا الجسم المتحرك و هو النفس من الأجزاء الصغار الصلبة التى لا تتجزى
كريا فالاجرام هى تلك الأجزاء .
و قوله( : ان النفس تستبقى به النفس) بفتح الفاء فى الاول و سكونها فى
الثانى .
قوله([ : و منهم من قال( : انها ليست هى النفس) , اى ان تلك الاجرام
التى هى الأجزاء التى لا تتجزى ليست هى النفس بل ان محركها هو النفس , و
النفس فى تلك الاجزاء , و تدخل النفس البدن بدخول تلك الأجزاء .
قوله : فمنهم من رأى أن الشى ء انما يدرك ما سواه لانه متقدم عليه و مبدء له ,
المراد بالمبدء هو العلة فهو متقدم على المدرك بالتقدم الرتبى . و يفهم منه أن
اعتقاد هذا القائل ان المدرك لا محالة يجب أن يكون علة لمدركاته . و لهذا
القول شأن ينبغى أن يعتنى به فى مسائل الحكمة المتعالية فى معرفة النفس و
إدراكها . و هذا الشأن مما يؤيد تأويلات صاحب الاسفار الاتية .
قوله : على حسب المذاهب التى عرفتها . على الخطاب . و كان الفصل الثانى من
الفن الثالث من طبيعيات الشفاء فى اقتصاص تلك المذاهب و فيه البحث عن
مذهب البخار , و الفصل الثالث منه فى نقض تلك المذاهب و فيه نقض مذهب
البخار [1] .
ثم ما نقله عنهم بقوله( : و كل هؤلاء كان يقول ان النفس تعرف الاشياء كلها
لأنها من جوهر المبدء لجميعها) كلام بعيد الغور لانه ما لم يكن بين المدرك و
مدركه مناسبة فكيف يدركه ؟ و بالمشابهة يدرك و يعرف الشبيه بالشبيه , فنعم
ما قالوا من أن النفس انما تعرف الاشياء كلها لأنها من جوهر المبدء لجميعها ,
و هذا الكلام الكامل يؤيد ايضا التأويلات الاتية . و البحث عن المناسبة يأتى فى ذى
قبل - انشاء الله تعالى - . و قد اشار الشيخ اليها فى الفصل التاسع من النمط
الثامن من الاشارات بقوله : كل مستلذ به فهو سبب كمال يحصل للمدرك هو
بالقياس اليه خير الخ . و كذلك المولى الصدراء فى الفصل الثانى من عاشر نفس
الأسفار [1] . حيث قال( : إن سعادة كل قوة بنيل ما هو مقتضى ذاتها من غير
عائق و حصول كمالها من غير آفة , و لا شك ان كل كمال كل شى ء ما هو من باب نوعه و
جنسه) . و سابع فاتحة مصباح الانس فى ذلك ايضا [2] .
[1] الشفاء , الطبع الاول من الحجرى , ج 1 , ص 188 - 192 .