المكان , بأى شكل آخر . - و يحق لنا أن نشك فيما يخص حركة النفس , إذا نظرنا
إلى الحقائق التى سوف نذكرها .
فنحن نقول عن النفس : انها تألم أو تفرح , و تقدم أو تخاف , و ايضا أنها
تغضب , و تحس , و تفكر , و إن جميع هذه الأحوال تظهر لنا كأنها حركات , و قد
يستخلص من ذلك أن النفس تتحرك . و مع ذلك فليست هذه النتيجة لازمة , فلو
فرضنا أن الالم و الفرح او التفكير حركات , و أن كل حالة من هذه الأحوال هى
حركة
, و أن هذه الحركة تحدثها النفس , مثل ذلك الغضب أو الخوف فهو هذه الحركة
الخاصة بالقلب , و أن التفكير حركة لهذا العضو , أو العضو أخر , و أن هذه
الأحوال هى كذلك بعضها حركات نقلة لبعض اجزاء الجسم , و بعضها حركات
استحالة ( أما بيان أى نوع من الحركة و كيف يكون موضعها فهذا سئوال آخر ) .
فقولنا إذن إن النفس غاضبة , و هو كمن يزعم أن النفس هى التى تنسج أو تبنى .
فالأولى و لا ريب ألا نقول ان النفس تشفق , أو تتعلم , أو تفكر , بل نقول : ان
الانسان هو الذى يفعل ذلك بواسطة النفس . و نحن لا نعنى بذلك أن الحركة تكون
فى النفس . بل انها تنتهى تارة الى النفس , و تصدر عنها تارة أخرى . فالاحساس
مثلا يبدأ من الأشياء الجزئية , و التذكر , على العكس , يصدر من النفس نحو
الحركات أو ما يبقى منها[ ما بقى من الاحساس] فى أعضاء الحس . أما فيما
يختص بالعقل فيظهر أنه يتولد فينا كأن له وجودا جوهريا و لا يخضع للفساد , لانه
يمكن أن يفسد تحت تاثير الضعف الناشى عن الكهولة , و لكنه فى الواقع امره
يشبه أمر أعضاء الحس : فلو صحت للكهل عين سليمة , لرأى كأوضح ما يرى الشاب ,
فلا ترجع الكهولة إذن الى تأثر من أى نوع للنفس , بل إلى تأثر الشخص الذى توجد
فيه , كما يحدث فى أحوال السكر و المرض . فالتفكير و تحصيل المعرفة يضعفان
إذن , عندما يفسد عضو باطنى , و لكن العقل فى ذاته لا ينفعل . و التفكير ,
كالحب و البغض , أحوال , لا للعقل , بل لمن توجد فيه , من حيث هى كذلك . و
لذلك أيضا إذا فسد هذا الشخص , لم يكن هناك تذكر , أو حب , لذلك ما
نقول إنها ليست أحوال العقل , بل أحوال المركب الذى فسد . أما العقل فانه و لا
ريب أكثر ألوهية , و لا ينفعل .
و يتبين مما سبق ذكره أن النفس لا تتحرك , فاذا لم تتحرك على الاطلاق , فمن
البين أنها لا تحرك نفسها .
و من أشد الاراء التى عددناها تهافتا , ذلك الرأى الذى يزعم أن النفس عدد
يحرك