responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 9  صفحه : 149

بل حالك في الحسد أقبح من هذا،لأن الرمية العائدة لم تفوت إلا العينين،و لو بقيتا لفاتتا بالموت لا محالة،و الحسد يعود بالإثم،و الإثم لا يفوت بالموت،و لعله يسوقه إلى غضب اللّه،و إلى النار .فلأن تذهب عينه في الدنيا،خير له من أن تبقى له عين يدخل بها النار،فيقلعها لهيب النار فانظر كيف انتقم اللّه من الحاسد،إذ أراد زوال النعمة عن المحسود،فلم يزلها عنه، ثم أزالها عن الحاسد،إذ السلامة من الإثم نعمة،و السلامة من الغم و الكمد نعمة،و قد زالتا عنه،تصديقا لقوله تعالى وَ لاٰ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّٰ بِأَهْلِهِ [1]و ربما يبتلى بعين ما يشتهيه لعدوه،و فلما يشمت شامت بمساءة إلا و يبتلى بمثلها،حتى قالت عائشة رضى اللّه عنها،ما تمنيت لعثمان شيئا إلا نزل بي،حتى لو تمنيت له القتل لقتلت فهذا إثم الحسد نفسه،فكيف ما يجر إليه الحسد من الاختلاف،و جحود الحق،و إطلاق اللسان و اليد بالفواحش في التشفي من الأعداء،و هو الداء الذي فيه هلك الأمم السالفة فهذه هي الأدوية العلمية،فمهما تفكر الإنسان فيها بذهن صاف،و قلب حاضر،انطفأت نار الحسد من قلبه،و علم أنه مهلك نفسه،و مفرح عدوه،و مسخط ربه،و منغص عيشه

و أما العمل النافع فيه

،فهو أن يحكم الحسد،فكل ما يتقاضاه الحسد من قول و فعل فينبغي أن يكلف نفسه نقيضه.فإن بعثه الحسد على القدح في محسوده،كلف لسانه المدح له،و الثناء عليه .و إن حمله على التكبر عليه،ألزم نفسه التواضع له،و الاعتذار إليه.و إن بعثه على كف الإنعام عليه،ألزم نفسه الزيادة في الإنعام عليه فمهما فعل ذلك عن تكلف، و عرفه المحسود،طاب قلبه و أحبه.و مهما ظهر حبه،عاد الحاسد فأحبه،و تولد من ذلك الموافقة التي تقطع مادة الحسد،لأن التواضع،و الثناء،و المدح،و إظهار السرور بالنعمة يستجلب قلب المنعم عليه.و يسترقه،و يستعطفه،و يحمله على مقابلة ذلك بالإحسان.ثم ذلك الإحسان يعود إلى الأول،فيطيب قلبه،و يصير ما تكلفه أو لا طبعا آخرا.و لا يصدنه عن ذلك قول الشيطان له،لو تواضعت و أثنيت عليه،حملك العدو على العجز،أو على النفاق أو الخوف،و أن ذلك مذلة و مهانة.و ذلك من خدع الشيطان و مكايده.بل المجاملة تكلفا كانت أو طبعا،تكسر سورة العداوة من الجانبين،و تقل مرغوبها،و تعود القلوب


[1] فاطر:43

نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 9  صفحه : 149
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست