responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 6  صفحه : 104

الأنس بذكر اللّه تعالى،و الأنس يحصل بدوام الذكر،و المعرفة تحصل بدوام الفكر و من لم يتعلم طريق الفكر و الذكر لم يتمكن منهما و السفر هو المعين على التعلم في الابتداء،و الإقامة هي المعينة على العمل بالعلم في الانتهاء،و أما السياحة في الأرض على الدوام فمن المشوشات للقلب إلا في حق الأقوياء، فإن المسافر و ماله لعلى قلق إلا ما وقى اللّه،فلا يزال المسافر مشغول القلب،تارة بالخوف على نفسه و ماله،و تارة بمفارقة ما ألفه و اعتاده في إقامته،و ان لم يكن معه مال يخاف عليه فلا يخلو عن الطمع و الاستشراف إلى الخلق،فتارة يضعف قلبه بسبب الفقر،و تارة يقوى باستحكام أسباب الطمع ثم الشغل بالحظ،و الترحال مشوش لجميع الأحوال فلا ينبغي أن يسافر المريد إلا في طلب علم،أو مشاهدة شيخ يقتدى به في سيرته و تستفاد الرغبة في الخير من مشاهدته،فإن اشتغل بنفسه و استبصر و انفتح له طريق الفكر أو العمل فالسكون أولى به،إلا أن أكثر متصوفة هذه الأعصار،لما خلت بواطنهم عن لطائف الأفكار،و دقائق الأعمال، و لم يحصل لهم أنس باللّه تعالى،و بذكره في الخلوة و كانوا بطالين غير محترفين و لا مشغولين،قد ألفوا البطالة،و استثقلوا العمل،و استوعروا طريق الكسب و استلانوا جانب السؤال و الكدية،و استطابوا الرباطات المبنية لهم في البلاد،و استسخروا الخدم المنتصبين للقيام بخدمة القوم،و استخفوا عقولهم و أديانهم،من حيث لم يكن قصدهم من الخدمة إلا الرياء و السمعة،و انتشار الصيت،و اقتناص الأموال بطريق السؤال تعللا بكثرة الأتباع،فلم يكن لهم في الخانقاهات حكم نافذ،و لا تأديب للمريدين نافع،و لا حجر عليهم قاهر،فلبسوا المرقعات، و اتخذوا في الخانقاهات منتزهات،و ربما تلقفوا ألفاظا مزخرفة من أهل الطامات،فينظرون إلى أنفسهم و قد تشبهوا بالقوم في خرقتهم،و في سياحتهم و في لفظهم و عبارتهم،و في آداب ظاهرة من سيرتهم،فيظنون بأنفسهم خيرا،و يحسبون أنهم يحسنون صنعا،و يعتقدون أن كل سوداء تمرة،و يتوهمون أن المشاركة في الظواهر توجب المساهمة في الحقائق،و هيهات،فما أغزر حماقة من لا يميز بين الشحم و الورم،فهؤلاء بغضاء اللّه،فإن اللّه تعالى يبغض الشاب الفارغ، و لم يحملهم على السياحة إلا الشباب و الفراغ إلا من سافر لحج أو عمرة في غير رياء و لا سمعة،أو سافر لمشاهدة شيخ يقتدى به في علمه و سيرته

نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 6  صفحه : 104
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست