responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 11  صفحه : 44

و أما آخره و مورده فهو الموت المشار إليه بقوله تعالى ثُمَّ أَمٰاتَهُ فَأَقْبَرَهُ. ثُمَّ إِذٰا شٰاءَ أَنْشَرَهُ [1]و معناه أنه يسلب روحه،و سمعه،و بصره،و علمه،و قدرته،و حسه،و إدراكه و حركته،فيعود جمادا كما كان أول مرة،لا يبقى إلا شكل أعضائه و صورته،لا حس فيه و لا حركة .ثم يوضع في التراب فيصير جيفة منتنة قذرة،كما كان في الأول نطفة مذرة.

ثم تبلى أعضاؤه،و تتفتت أجزاؤه،و تنخر عظامه،و يصير رميما رفاتا،و يأكل الدود أجزاءه فيبتدئ بحدقتيه فيقلعهما،و بخديه فيقطعهما،و بسائر أجزائه فيصير روثا في أجواف الديدان،و يكون جيفة يهرب منه الحيوان،و يستقذره كل إنسان،و يهرب منه لشدة الإنتان.و أحسن أحواله أن يعود إلى ما كان،فيصير ترابا يعمل منه الكيزان،و يعمر منه البنيان،فيصير مفقودا بعد ما كان موجودا،و صار كأن لم يغن بالأمس حصيدا،كما كان في أول أمره أمدا مديدا.و ليته بقي كذلك،فما أحسنه لو ترك ترابا.لا بل يحييه بعد طول البلى ليقاسى شديد البلاء،فيخرج من قبره بعد جمع أجزائه المتفرقة،و يخرج إلى أهوال القيامة ،فينظر إلى قيامة قائمة،و سماء مشققة ممزقة،و أرض مبدلة،و جبال مسيرة و نجوم منكدرة،و شمس منكسفة،و أحوال مظلمة،و ملائكة غلاظ شداد،و جهنم تزفر و جنة ينظر إليها المجرم فيتحسر.و يرى صحائف منشورة،فيقال له اقرأ كتابك،فيقول و ما هو؟فيقال كان قد و كل بك في حياتك التي كنت تفرح بها،و تتكبر بنعيمها.و تفتخر بأسبابها،ملكان رقيبان،يكتبان عليك ما كنت تنطق به أو تعمله،من قليل و كثير، و نقير و قطمير،و أكل و شرب،و قيام و قعود.قد نسيت ذلك و أحصاه اللّه عليك.فهلم إلى الحساب،و استعد للجواب،أو تساق إلى دار العذاب.فينقطع قلبه فزعا من هول هذا الخطاب،قبل أن تنتشر الصحيفة و يشاهد ما فيها من مخازيه.فإذا شاهده قال:يا ويلتنا، ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة و لا كبيرة إلا أحصاها.فهذا آخر أمره،و هو معنى قوله تعالى ثُمَّ إِذٰا شٰاءَ أَنْشَرَهُ [2].فما لمن هذا حاله و التكبر و التعظم،بل ماله و للفرح في لحظة واحدة،فضلا عن البطر و الأشر،فقد ظهر له أول حاله،و وسطه،و لو ظهر آخره و العياذ باللّه تعالى ربما اختار أن يكون كلبا أو خنزيرا،ليصير مع البهائم ترابا،و لا يكون إنسانا


[1] عبس:21،22

[2] عبس:22

نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 11  صفحه : 44
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست