responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 11  صفحه : 43

و غنيا بعد الفقر.فكان في ذاته لا شيء ،و أي شيء أخس من لا شيء ،و أي قلة أقل من العدم المحض،ثم صار باللّه شيئا.و إنما خلقه من التراب الذليل الذي يوطأ بالأقدام، و النطفة القذرة بعد العدم المحض أيضا،ليعرفه خسة ذاته،فيعرف به نفسه.و إنما أكمل النعمة عليه ليعرف بها ربه،و يعلم بها عظمته و جلاله،و أنه لا يليق الكبرياء إلا به جل و علا، و لذلك امتن عليه فقال أَ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ. وَ لِسٰاناً وَ شَفَتَيْنِ. وَ هَدَيْنٰاهُ النَّجْدَيْنِ [1]و عرف خسته أوّلا فقال أَ لَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنىٰ. ثُمَّ كٰانَ عَلَقَةً [2]ثم ذكر منته عليه فقال فَخَلَقَ فَسَوّٰى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَ الْأُنْثىٰ [3]ليدوم وجوده بالتناسل،كما حصل وجوده أوّلا بالاختراع فمن كان هذا بدأه،و هذه أحواله،فمن أين له البطر و الكبرياء،و الفخر و الخيلاء،و هو على التحقيق أخس الأخساء،و أضعف الضعفاء!و لكن هذه عادة الخسيس،إذا رفع من خسته شمخ بأنفه و تعظم،و ذلك لدلالة خسة أوّله،و لا حول و لا قوّة إلا باللّه.نعم لو أكمله و فوض إليه أمره،و أدام له الوجود باختياره ،لجاز أن يطغى ،و ينسى المبدأ و المنتهى،و لكنه سلط عليه في دوام وجوده الأمراض الهائلة،و الأسقام العظيمة،و الآفات المختلفة،و الطباع المتضادة من المرة،و البلغم،و الريح،و الدم،يهدم البعض من أجزائه البعض شاء أم أبى، أم سخط،فيجوع كرها،و يعطش كرها و يمرض كرها،و يموت كرها،لا يملك لنفسه نفعا و لا ضرا، و لا خيرا و لا شرا،يريد أن يعلم الشيء فيجهله،و يريد أن يذكر الشيء فينساه،و يريد أن ينسى الشيء و يغفل عنه فلا يغفل عنه،و يريد أن يصرف قلبه إلى ما يهمه فيجول في أودية الوساوس و الأفكار بالاضطرار،فلا يملك قلبه قلبه،و لا نفسه نفسه،و يشتهي الشيء و ربما يكون هلاكه فيه،و يكره الشيء و ربما تكون حياته فيه.يستلذ الأطعمة و تهلكه و ترديه و يستبشع الأدوية و هي تنفعه و تحييه،و لا يأمن في لحظة من ليله أو نهاره أن يسلب سمعه و بصره، و تفلج أعضاؤه و يختلس عقله،و يختطف روحه،و يسلب جميع ما يهواه في دنياه.فهو مضطر ذليل،إن ترك بقي،و إن اختطف فنى.عبد مملوك لا يقدر على شيء من نفسه،و لا شيء من غيره.

فأي شيء أذل منه.لو عرف نفسه و أنى يليق الكبر به لو لا جهله.فهذا أوسط أحواله فليتأمله


[1] البلد:8،9،10

[2] القيامة:37،38،39

[3] القيامة:37،38،39

نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 11  صفحه : 43
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست