responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 11  صفحه : 190

عرض على السموات،و الأرض،و الجبال،فأبين أن يحملنه و أشفقن منه،فإدراك ما يخرج عن عالم الحواس الخمس،لا يصادف إلا في عالم ذلك السر الذي فارقت به الحمار و سائر البهائم.فمن ذهل عن ذلك،و عطله و أهمله،و قنع بدرجة البهائم،و لم يجاوز المحسوسات فهو الذي أهلك نفسه بتعطيلها،و نسيها بالإعراض عنها،فلا تكونوا كالذين نسوا اللّه، فأنساهم أنفسهم:فكل من لم يعرف إلا المدرك بالحواس فقد نسى اللّه إذ ليس ذات اللّه مدركا في هذا العالم بالحواس الخمس.و كل من نسى اللّه أنساه اللّه لا محالة نفسه،و نزل إلى رتبة البهائم،و ترك الترقي إلا الأفق لأعلى،و خان في الأمانة التي أودعه اللّه تعالى و أنعم عليه كافرا لأنعمه و متعرضا لنقمته.إلا أنه أسوأ حالا من البهيمة،فإن البهيمة تتخلص بالموت و أما هذا فعنده أمانة سترجع لا محالة إلى مودعها،فإليه مرجع الأمانة و مصيرها:و تلك الأمانة كالشمس الزاهرة ،و إنما هبطت إلى هذا القالب الفاني و غربت فيه،و ستطلع هذه الشمس عند خراب هذا القالب من مغربها،و تعود إلى بارئها و خالقها،إما مظلمة منكسفة و إما زاهرة مشرقة.و الزاهرة المشرقة غير محجوبة عن حضرة الربوبية،و المظلمة أيضا راجعة إلى الحضرة،إذ المرجع و المصير للكل إليه،إلا أنها ناكسة رأسها عن جهة أعلى عليين إلى جهة أسفل سافلين.و لذلك قال تعالى وَ لَوْ تَرىٰ إِذِ الْمُجْرِمُونَ نٰاكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ [1]فبين أنهم عند ربهم إلا أنهم منكوسون،قد انقلبت وجوههم إلى أقفيتهم و انتكست رءوسهم عن جهة فوق إلى جهة أسفل،و ذلك حكم اللّه فيمن حرمه توفيقه،و لم يهده طريقه،فنعوذ باللّه من الضلال،و النزول إلى منازل الجهال فهذا حكم انقسام من يخرج من النار،و يعطى مثل عشرة أمثال الدنيا أو أكثر.و لا يخرج من النار إلا موحد.و لست أعنى بالتوحيد أن يقول بلسانه لا إله إلا اللّه،فإن اللسان من عالم الملك و الشهادة،فلا ينفع إلا في عالم الملك،فيدفع السيف عن رقبته ،و أيدي الغانمين عن ماله.و مدة الرقبة و المال مدة الحياة.فحيث لا تبقى رقبة و لا مال،لا ينفع القول باللسان.و إنما ينفع الصدق في التوحيد.و كمال التوحيد أن لا يرى الأمور كلها إلا من اللّه و علامته أن لا يغضب على أحد من الخلق بما يجرى عليه،إذ لا يرى الوسائط،و إنما يرى


[1] السجدة:12

نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 11  صفحه : 190
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست