responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 11  صفحه : 158

الحديث و لذلك أكرمه اللّه تعالى بأن قال لِيَغْفِرَ لَكَ اللّٰهُ مٰا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ مٰا تَأَخَّرَ [1]و إذا كان هذا حاله،فكيف حال غيره؟ فإن قلت:لا يخفى أن ما يطرأ على القلب من الهموم و الخواطر نقص،و أن الكمال في الخلو عنه،و أن القصور عن معرفة كنه جلال اللّه نقص،و أنه كلما ازدادت المعرفة زاد الكمال،و أن الانتقال إلى الكمال من أسباب النقصان رجوع،و الرجوع توبة،و لكن هذه فضائل لا فرائض،و قد أطلقت القول بوجوب التوبة في كل حال،و التوبة عن هذه الأمور ليست بواجبة،إذ إدراك الكمال غير واجب في الشرع.فما المراد بقولك التوبة واجبة في كل حال؟ فاعلم أنه قد سبق أن الإنسان لا يخلو في مبدإ خلقته من اتباع الشهوات أصلا.و ليس معنى التوبة تركها فقط،بل تمام التوبة بتدارك ما مضى .و كل شهوة اتبعها الإنسان ارتفع منها ظلمة إلى قلبه ،كما يرتفع عن نفس الإنسان ظلمة إلى وجه المرآة الصقيلة.فإن تراكمت ظلمة الشهوات صار رينا،كما يصير بخار النفس في وجه المرآة عند تراكمه خبثا،كما قال تعالى كَلاّٰ بَلْ رٰانَ عَلىٰ قُلُوبِهِمْ مٰا كٰانُوا يَكْسِبُونَ [2]فإذا تراكم الرين صار طبعا،فيطبع على قلبه،كالخبث على وجه المرآة إذا تراكم و طال زمانه،غاص في جرم الحديد و أفسده،و صار لا يقبل الصقل بعده،و صار كالمطبوع من الخبث.و لا يكفي في تدارك اتباع الشهوات تركها في المستقبل،بل لا بد من محو تلك الأريان التي انطبعت في القلب.كما لا يكفي في ظهور الصور في المرآة قطع الأنفاس و البخارات المسودة لوجهها في المستقبل،ما لم يشتغل بمحو ما انطبع فيها من الأريان.و كما يرتفع إلى القلب ظلمة من المعاصي و الشهوات،فيرتفع إليه نور من الطاعات و ترك الشهوات.فتنمحى ظلمة المعصية بنور الطاعة.و إليه الإشارة بقوله عليه السّلام[1]«أتبع السّيّئة الحسنة تمحها » فإذا لا يستغنى العبد في حال من أحواله عن محو آثار السيئات عن قلبه،بمباشرة حسنات تضاد آثارها آثار تلك السيئات.هذا في قلب حصل أو لا صفاؤه و جلاؤه،ثم أظلم بأسباب عارضة .


[1] الفتح:2

[2] التطفيف:14

نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 11  صفحه : 158
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست