responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 339

ليراها حيث أمرها فإذا كشف لها الغطاء و احتد بصرها وجدت نفسها كالسراب في شكل الماء فلم تر قائما بحقوق اللّٰه إلا خالق الأفعال و هو اللّٰه تعالى فوجدت اللّٰه عين ما تخيلت أنه عينها فذهبت عينها عنه و بقي المشهود الحق بعين الحق كما فنى ماء السراب عن السراب و السراب مشهود في نفسه و ليس بماء كذلك الروح موجود في نفسه و ليس بفاعل فعلم عند ذلك أن المحب عين المحبوب و أنه ما أحب سواه و لا يكون إلا كذلك و ألطف من هذا النحول في الأرواح فلا يكون و أما النوع المتعلق من النحول بكثائفهم فهو ما يتعلق به الحس من تغير ألوانهم و ذهاب لحوم أبدانهم لاستيلاء جولان أفكارهم في أداء ما كلفهم المحبوب أداءه مما افترضه عليهم فبذلوا المجهود ليتصفوا بالوفاء بالعهود إذ كانوا عاهدوا اللّٰه على ذلك و عقدوا عليه في إيمانهم به و برسوله و سمعوه يقول آمرا يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و قال أَوْفُوا بِعَهْدِي و لا تنقضوا الميثاق و قَدْ جَعَلْتُمُ اللّٰهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً فهذا سبب نحول أجسامهم و من نعوت المحبين الذبول و هو نعت صحيح في أرواحهم و أجسامهم أما في أجسامهم فسببه ترك ملاذ الأطعمة الشهية التي لها الدسم و الرطوبة و هي مستلذة للنفوس و تورث في الأجسام نضرة النعيم فلما رأوا رضي اللّٰه عنهم أن الحبيب كلفهم القيام بين يديه و مناجاته ليلا عند تجليه و نوم النائمين و رأوا أن الرطوبات الحاصلة في أجسامهم تصعد منها أبخرة إلى الدماغ تخدر الحواس و تغمرها فيغلبهم النوم عما في نفوسهم من القيام بين يدي محبوبهم لمناجاته في خلواتهم حين ينامون ثم إن تلك الأبخرة تورث قوة في أبدانهم تؤدي تلك القوة الجوارح إلى التصرف في الفضول الذي حجر عليهم التصرف فيه محبوبهم فتركوا الطعام و الشراب إلا قدر ما تمس الحاجة إليه من ذلك فقلت الرطوبة في أجسامهم فزالت عنهم نضرة النعيم و ذبلت شفاههم و استرخت أبدانهم و راح نومهم و تقوى سهرهم فنالوا مقصودهم من القيام بين يديه و وجدوا المعونة على ذلك بما تركوه فذلك هو ذبول الأجسام و أما ذبول أرواحهم فإن لهم نعيما بالمعارف و العلوم لأن لهم نسبة إلى أرواح الملإ الأعلى ليأنسوا بالجنس رغبة في المعاونة لما سمعوا اللّٰه تعالى يقول وَ تَعٰاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوىٰ فتخيلوا أنهم المخاطبون بذلك و ليس الأمر كذلك فإن الذين خوطبوا بذلك هم الذين يليق بهم أن يتعاونوا على الإثم و العدوان و لذلك أردف بالنهي فقال وَ لاٰ تَعٰاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ وَ اتَّقُوا اللّٰهَ و هذا ليس من صفات الملإ الأعلى فلما عرفوا غلطهم في ذلك عدلوا عن هذه الآية إلى قوله اِسْتَعِينُوا بِاللّٰهِ وَ اصْبِرُوا أي احبسوا نفوسكم مع اللّٰه فلما فارقوا الجنس بهذه الآية ذبلت أرواحهم و قد كانت في نضرة النعيم بمجالسة الجنس لأنها تعلقت بمن لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فلم تعرف بينها و بينه مناسبة مثلية فتتعلق بها فقالت لها المعرفة بالله هو ما خاطبك سبحانه إلا بلسانك و لحنك و لغتك و ما تواطأ عليه أهل ذلك اللسان الذين أنت منهم فارجع إلى مفهوم ما خاطبك به فإنه لم يخرجه عن حقيقة مدلوله و لا تنال بجهلك النسبة إليه من ذلك فإن تلك الصفة التي خاطبك بها تطلبه بذاتها لأنه وصف نفسه بها و لا تكون صفاته إلا بمناسبة خاصة منا إليه فإذا تعلقت أنت بتلك الصفة و لزمتها بالضرورة تحصلك عنده فتعلم عند ذلك صورة نسبتها إليه علم ذوق و تجل إلهي فيزيد ذبولك حتى تصير كالنقطة المتوهمة كما قال بعضهم

أصبحت فيك من الضنا كالنقطة المتوهمة
و هي التي لا وجود لها إلا في الوهم فهذا نعتهم في الذبول و قدر و ينافي خبر مؤيد بكشف أن إسرافيل ع و هو من أرفع الأرواح العلوية يتضاءل في نفسه كل يوم لاستيلاء عظمة اللّٰه على قلبه سبعين مرة حتى يصير كالوضع كما يحشر المتكبرون في نفوسهم على عباد اللّٰه يوم القيامة كأمثال الذر ذلة و صغارا و ذلك لما ظهروا به في الدنيا من التعاظم و التكبر فهذا نعت ذبولهم في أرواحهم و أجسامهم و من نعوت المحبين أيضا الغرام و هو الاستهلاك في المحبوب بملازمة الكمد قال تعالى إِنَّ عَذٰابَهٰا كٰانَ غَرٰاماً أي مهلكا لملازمة شهود المحبوب فإن الغريم هو الذي لزمه الدين و به سمي غريما و مقلوبة أيضا الرغام و هو اللصوق بالتراب فإن الرغام التراب يقال رغم أنفه إذ كان الأنف محل العزة قوبل بالرغام في الدعاء فألصقوه بالتراب فيكون الغرام حكمه في المغرم من المقلوب فهو موصوف بالذلة لأن التراب أذل

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 339
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست