responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 33

و بالله التوفيق و هو الهادي إلى الصراط المستقيم

[الأولياء الحامدون]

و من الأولياء أيضا الحامدون من رجال و نساء رضي اللّٰه عنهم تولاهم اللّٰه بعواقب ما تعطيه صفات الحمد فهم أهل عاقبة الأمور قال اللّٰه تعالى وَ لِلّٰهِ عٰاقِبَةُ الْأُمُورِ فالحامد من عباد اللّٰه من يرى في الحمد المطلق على ألسنة العالم كله سواء كان الحامدون من أهل اللّٰه أو لم يكونوا و سواء كان المحمود اللّٰه أو كان مما يحمد الناس به بعضهم بعضا فإنه في نفس الأمر يرجع عواقب الثناء كله إلى اللّٰه لا إلى غيره فالحمد إنما هو لله خاصة بأي وجه كان فالحامدون الذين أثنى اللّٰه عليهم في القرآن هم الذين طالعوا نهايات الأمور في ابتدائها و هم أهل السوابق فشرعوا في حمده ابتداء بما يرجع إليه سبحانه و تعالى جل جلاله من حمد المحجوبين انتهاء فهؤلاء هم الحامدون على الشهود بلسان الحق

[الأولياء السائحون]

و من الأولياء أيضا السائحون و هم المجاهدون في سبيل اللّٰه من رجال و نساء

قال صلى اللّٰه عليه و سلم سياحة أمتي الجهاد في سبيل اللّٰه قال تعالى اَلتّٰائِبُونَ الْعٰابِدُونَ الْحٰامِدُونَ السّٰائِحُونَ و السياحة المشي في الأرض للاعتبار برؤية آثار القرون الماضية و من هلك من الأمم السالفة و ذلك أن العارفين بالله لما علموا أن الأرض تزهو و تفخر بذكر اللّٰه عليها و هم رضي اللّٰه عنهم أهل إيثار و سعى في حق الغير و رأوا أن المعمور من الأرض لا يخلو عن ذاكر لله فيه من عامة الناس و أن المفاوز المهلكة البعيدة عن العمران لا يكون فيها ذاكر لله من البشر لزم بعض العارفين السياحة صدقة منهم على البيداء التي لا يطرقها إلا أمثالهم و سواحل البحار و بطون الأودية و قنن الجبال و الشعاب و الجهاد في أرض الكفر التي لا يوحد اللّٰه تعالى فيها و يعبد فيها غير اللّٰه و لذلك جعل النبي صلى اللّٰه عليه و سلم سياحة هذه الأمة الجهاد فإن الأرض و إن لم يكفر عليها و لا ذكر اللّٰه فيها أحد من البشر فهي أقل حزنا و هما من الأرض التي عبد غير اللّٰه فيها و كفر عليها و هي أرض المشركين و الكفار فكان السياحة بالجهاد أفضل من السياحة في غير الجهاد و لكن بشرط أن يذكر اللّٰه عليها و لا بد فإن ذكر اللّٰه في الجهاد أفضل من لقاء العدو فيضرب المؤمنون رقابهم و يضرب الكفار رقاب المؤمنين و المقصود إعلاء كلمة اللّٰه في الأماكن التي يعلو فيها ذكر غير اللّٰه ممن يعبد من دون اللّٰه فهؤلاء هم السائحون لقيت من أكابرهم يوسف المغاور الجلاء ساح مجاهدا في أرض العدو عشرين سنة و ممن رابط بثغر الأعداء شاب بجلمانية نشأ في عبادة اللّٰه تعالى يقال له أحمد بن همام الشقاق بالأندلس و كان من كبار الرجال مع صغر سنة انقطع إلى اللّٰه تعالى على هذه الطريق و هو دون البلوغ و استمر حاله على ذلك إلى أن مات

[الأولياء الراكعون]

و من الأولياء أيضا الراكعون من رجال و نساء رضي اللّٰه عنهم وصفهم اللّٰه في كتابه بالراكعين و هو الخضوع و التواضع لله تعالى من حيث هويته سبحانه و لعزته و كبريائه حيث ظهر من العالم إذ كان العارف لا ينظر العالم من حيث عينه و إنما ينظره من حيث هو مظهر لصفات الحق

[العين الهالكة و الصفة القائمة الدائمة]

قال اللّٰه تعالى كَذٰلِكَ يَطْبَعُ اللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبّٰارٍ و قال ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ و

قال الكبرياء ردائي و العظمة إزاري من نازعني واحدا منهما قصمته فالعين هالكة و الصفة قائمة فالراكعون ركعوا للصفة لا للعين لأنهم سمعوا الحق يقول من نازعني واحدا منهما قصمته فعلموا أنها صفة الحق لا صفتهم و لهذا أوقع التنازع فيهما فعرفوا من العالم ما لم يعرف العالم من نفسه فلو كان الكبرياء و الجبروت و العزة و العظمة التي يدعيها العزيز الجبار العظيم المتكبر من العباد صفة لهم حقيقة لما ذمهم و لا أخذهم أَخْذَةً رٰابِيَةً كما أنه لم يأخذهم بكونهم أذلاء خاشعين حقراء محقرين فإن الحقارة و الذلة و الصغار صفتهم

[من ظهر بصفته لم يؤاخذه اللّٰه]

فمن ظهر بصفته لم يؤاخذه اللّٰه لأنه كيف يؤاخذه إذا ظهر بما هو حق له و لما لم يكن لهم الجبروت و ما في معناه و ظهروا به أهلكهم اللّٰه فتحقق عند العارفين أنها صفة الحق تعالى ظهرت فيمن أراد اللّٰه أن يشقيه فتواضع العارفون للجبابرة و المتكبرين من العالم للصفة لا لعينهم إذ كان الحق هو مشهودهم في كل شيء حتى الانحناء في السلام عند الملاقاة ربما انحنى العارفون لإخوانهم عند ما يلقونهم في سلامهم فيسر بذلك الشخص الذي ينحني من أجله و سروره إنما هو من جهله بنفسه حيث تخيل أن ذلك الانحناء و الركوع له ممن لقيه إنما هو لما يستحقه من الرفعة فيفعله عامة الأعاجم مقابلة جهل بجهل و عادة و عرفا و هم لا يشعرون و يفعله العارفون مشاهدة جبروت إلهي يجب الانحناء له إذ لا يرون إلا اللّٰه قال لبيد

ألا كل شيء ما خلا اللّٰه باطل
و الباطل هو العدم بلا شك و الوجود كله حق فما ركع الراكع إلا لحق وجودي

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 33
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست