responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 32

مجلى صورة التواب فرأى نفسه فأحبها لأنه الجميل فهو يحب الجمال و الكون مظاهره فما تعلقت محبته إلا به فإن الصور منه و عين العبد في العناية الإلهية غرق فالتائب راجع إليه من عين المخالفة و لو رجع ألف مرة في كل يوم فما يرجع إلا من المخالفة لي عين واحدة و هو القابل التوب خاصة و التواب ينتقل في الآنات مع الأنفاس من اللّٰه إلى اللّٰه بالموافقات بل لا يكون إلا كذلك و إن ظهرت في الظاهر ممن هذه صفته عند اللّٰه مخالفة فلجهل الناظر بالصورة التي أدخلت عليه الشبهة فإنه يتخيل أنه قد اجتمع معه في الحكم و ما عنده خبر أنه ممن قيل له اعمل ما شئت و أبيح له ما حجر على غيره ثم بين له فقال فقد غفرت لك أي سترتك عن خطاب التحجير

[التواب هو المجهول في الخلق لأنه محبوب]

فالتواب هو المجهول في الخلق لأنه محبوب و المحب غيور على محبوبه فستره عن عيون الخلق فإنه لو كشفه لعباده و نظروا إلى حسن المعنى في باطنه لأحبوه و لو أحبوه لصرفوا همتهم إليه فآثروا فيه الإقبال عليهم تخلقا حقيقيا من قوله فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ و فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّٰهُ فكان سبب إقبال الحق على العبد إقبال العبد على أمر الحق فما ظنك بالمخلوق فهو أسرع في الإقبال عليهم لأنه محل يقبل الأثر فلهذا القبول الصادر منهم لو أحبهم الخلق سترهم فلم يعرفوا فهم العرائس المخدرات خلف حجاب الغيرة فيقال فيهم مذنبون و ليسوا و اللّٰه بمذنبين بل مصانين محفوظين

[مقام التوبة من التوبة]

و هذا المقام هو مقام التوبة من التوبة أي من التوبة التي يقال في صاحبها تائب بالتوبة التي يقال في صاحبها تواب قال بعضهم في ذلك

يا ربة العود خذي في الغنا و حركي من صوته ما ونى
فإن مسود قميص الدجى لونه الصبح بما لونا
قد تاب أقوام كثير و ما تاب من التوبة إلا أنا
و لنا في هذا المقام على أتم إشارة من قول الأول

ما فاز بالتوبة إلا الذي قد تاب منها و الورى نوم
فمن يتب أدرك مطلوبه من توبة الناس و لا يعلموا
فالتوابون أحباب اللّٰه بنص كتابه الناطق بالحق الذي لاٰ يَأْتِيهِ الْبٰاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لاٰ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ

[الأولياء المتطهرون]

و من الأولياء أيضا المتطهرون من رجال و نساء رضي اللّٰه عنهم تولاهم اللّٰه القدوس بتطهيره فتطهيرهم تطهير ذاتي لا فعلي و هي صفة تنزيه و هو تعمل في الطهارة ظاهرا و في الحقيقة ليس كذلك و لهذا أحبهم اللّٰه فإنها صفة ذاتية له يدل عليها اسمه اَلْقُدُّوسُ السَّلاٰمُ فأحب نفسه و الصورة فيهم مثل الصورة في التوابين و لهذا قرن بينهما في آية واحدة فقال إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ التَّوّٰابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ فعين محبته لهم ليعلم أن صفة التوبة ما هي صفة التطهير و جاور بينهما لاحدية المعاملة من اللّٰه في حقهما من كونه ما أحب سوى نفسه

[المتطهر في الطريق الصوفي]

و اعلم أن المتطهر في هذا الطريق من عباد اللّٰه الأولياء هو الذي تطهر من كل صفة تحول بينه و بين دخوله على ربه و لهذا شرع في الصلاة الطهارة لأن الصلاة دخول على الرب لمناجاته و الصفات التي تحول بين العبد و بين دخوله على ربه هي كل صفة ربانية لا تكون إلا لله و كل صفة تدخله على ربه و يقع بها لهذا العبد التطهير فهي صفاته التي لا يستحقها إلا العبد و لا ينبغي أن تكون إلا له و لو خلع الحق عليه جميع الصفات التي لا تنبغي إلا له و لا بد من خلعها عليه لا تبرح ذاته من حيث تجلى الرب له موصوفة بصفاته التي له فإن كان التجلي ظاهرا كان حكم صفاته عليه ظاهرا مثل الخشوع و الخضوع و خمود الجوارح و سكون الأعضاء و الارتعاش الضروري و عدم الالتفات و إن كان التجلي باطنا لقلبه كان أيضا حكم صفاته في باطنه قائما و سواء كان موصوفا في ظاهره في ذلك الحال بصفة ربانية أي حكمها ظاهر عليه من قهره استيلاء أو قبض أو عطاء أو عطف أو حنان

[طهارة القلب مثل سجود القلب]

فالتجلي في الباطن بصفات العبودة لازم لا ينفك عنه باطن المتطهر أبدا فإن طهارة القلب مثل سجوده إذا تطهر و صح تطهيره لا تنتقض طهارته أبدا و كل من قال في هذا بتجديد طهارة القلب و أن طهارته يدخل عليها في القلب ما ينقضها فهو حديث نفس أعني طهره ما تطهر قط فإن طهارة القلب مؤيدة و هؤلاء هم المتطهرون الذين أحبهم اللّٰه و هي حالة مكتسبة يتعمل لها الإنسان فإن التفعل تعمل الفعل ثم الكلام في التعمل في ذلك على صورة ما ذكرناه في التواب سواء آنفا

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 32
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست