(الباب الثامن و مائة في معرفة الفتنة و الشهوة و صحبة الأحداث و النسوان و أخذ الإرفاق منهن و متى يأخذ المريد الإرفاق)
لا تصحبن حدثا إن كنت ذا حدث و لا نساء و كن بالله مشتغلا و احذر من الفتنة العمياء أن لها حكما قويا على القلب الذي غفلا و شهوة النفس فاحذرها فكم فتكت بسيد قلبه عن ربه عفلا و لا يرى أخذا رفقا من امرأة إلا الذي من رجال اللّٰه قد كملا
[الفتنة اختبار و حيرة و هداية]
اعلم أيدك اللّٰه أن الفتنة الاختبار يقال فتنت الفضة بالنار إذا اختبرتها قال تعالى أَنَّمٰا أَمْوٰالُكُمْ وَ أَوْلاٰدُكُمْ فِتْنَةٌ أي اختبرناكم بهما هل تحجبكم عنا و عما حددنا لكم أن تقفوا عنده و قال موسى ع إِنْ هِيَ إِلاّٰ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهٰا مَنْ تَشٰاءُ أي تحير وَ تَهْدِي مَنْ تَشٰاءُ
[من أعظم فتن الإنسان خلقه على الصورة]
و من أعظم الفتن التي فتن اللّٰه بها الإنسان تعريفه إياه بأن خلقه على صورته ليرى هل يقف مع عبوديته و إمكانه أو يزهو من أجل مكانة صورته إذ ليس له من الصورة إلا حكم الأسماء فيتحكم في العالم تحكم المستخلف القائم بصورة الحق على الكمال و كذلك من تأييد هذه الفتنة
قول النبي ص يحكيه عن ربه إن العبد إذا تقرب إلى اللّٰه بالنوافل أحبه فإذا أحبه كان سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و ذكر اليد و الرجل الحديث و إذا علم العبد أنه بهذه المثابة يسمع بالحق و يبصر بالحق و يبطش بالحق و يسعى بالحق لا بنفسه و بقي مع هذا النعت الإلهي عبدا محضا فقيرا و يكون شهوده من الحق و هو بهذه المثابة كون الحق ينزل إلى عباده بالفرح بتوبتهم و التبشيش لمن يأتي إلى بيته و التعجب من الشاب الذي قمع هواه و اتصافه بالجوع نيابة عن جوع عبده و بالظمإ نيابة عن ظمأ عبده و بالمرض نيابة عن مرض عبده مع علمه بما تقتضيه عزة ربوبيته و كبريائه في ألوهيته فما أثر هذا النزول في جبروته الأعظم و لا في كبريائه الأنزه الأقدم كذلك العبد إذا أقامه الحق نائبا فيما ينبغي للرب تعالى يقول العبد و من كمال الصورة التي قال إنه خلقني عليها أن لا يغيب عني مقام إمكاني و منزلة عبوديتي و صفة فقري و حاجتي كما كان الحق في حال نزوله إلى صفتنا حاضرا في كبريائه و عظمته فيكون الحق مع العبد إذا وفى بهذه الصفة يثنى عليه بأنه نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوّٰابٌ حيث لم تؤثر فيه هذه الولاية الإلهية و لا أخرجته عن فقره و اضطراره و من تجاوز حده في التقريب انعكس إلى الضد و هو البعد من اللّٰه و المقت فاحذر نفسك فإن الفتنة بالاتساع أعظم من الفتنة بالحرج و الضيق
[الشهوة آلة للنفس تعلو أو تسفل بحسب موضوعها]
و أما الشهوة فهي آلة للنفس تعلو بعلو المشتهي و تستفل باستفال المشتهي و الشهوة إرادة الالتذاذ بما ينبغي أن يلتذ به و اللذة لذتان روحانية و طبيعية و النفس الجزئية متولدة من الطبيعة و هي أمها و الروح الإلهي أبوها فالشهوة الروحانية لا تخلص من الطبيعة أصلا و بقي من يلتذ به فلا يلتذ إلا بالمناسب و لا مناسبة بيننا و بين الحق إلا بالصورة
[التذاذ الإنسان بكماله هو أشد الالتذاذ]
و التذاذ الإنسان بكماله أشد الالتذاذ فالتذاذه بمن هو على صورته أشد التذاذ برهان ذلك أن الإنسان لا يسرى في كله الالتذاذ و لا يفنى في مشاهدة شيء بكليته و لا تسري المحبة و العشق في طبيعة روحانيته إلا إذا عشق جارية أو غلاما و سبب ذلك أنه يقابله بكليته لأنه على صورته و كل شيء في العالم جزء منه فلا يقابله إلا بذلك الجزء المناسب فلذلك لا يفنى في شيء يعشقه إلا في مثله
[الشهوة التي هي مطلب العارفين الوارثين]
فإذا وقع التجلي الإلهي في عين الصورة التي خلق آدم عليها طابق المعنى المعنى و وقع الالتذاذ بالكل و سرت الشهوة في جميع أجزاء الإنسان ظاهرا و باطنا فهي الشهوة التي هي مطلب العارفين الوارثين أ لا ترى إلى قيس المجنون في حب ليلى كيف أفناه عن نفسه لما ذكرناه و كذلك رأينا أصحاب الوله و المحبين أعظم لذة و أقوى محبة في جناب اللّٰه من حب الجنس فإن الصورة الإلهية أتم في العبد من مماثلة الجنس لأنه لا يتمكن للجنس أن يكون سمعك و بصرك بل يكون غايته إن يكون مسموعك و مدركك اسم مفعول و إذا كان العبد مدرك بحق هو أتم فلذته أعظم و شهوته