responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 147

و تشق عليها و نفس ترغب في الحياة الدنيا لتزيد بذلك طاعة و أفعالا مقربة و معرفة إلهية و ترقيا دائما مع الأنفاس فشق عليها مفارقة الحياة الدنيا فلهذا سمي جهادا في حق الطائفتين فأما المجاهدون في سبيل اللّٰه و هي الطريق إلى اللّٰه أي إلى الوصول إليه من كونه إلها فهو جهاد لنيل معرفة المرتبة التي عنها ظهر العالم و الأحكام فيه و عنها تكون الخلائف في الأرض فينا لهم في هذه السبل من المشقة ما يناله المسافر في طريقه المخوفة فإنه في طريق عرض نفسه في السلوك فيه إلى إتلاف ماله و نفسه و يتم أولاده و فقد مألوفاته قال تعالى وَ جٰاهَدُوا بِأَمْوٰالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ و قال يُقٰاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ

[اللّٰه اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم]

و لما علم اللّٰه من العباد أنه يكبر عليهم مثل هذا لدعواهم أن نفوسهم و أموالهم لهم كما أثبتها الحق لهم و اللّٰه لا يقول إلا حقا فقدم شراء الأموال و النفوس منهم حتى يرفع يدهم عنها فبقي المشتري يتصرف في سلعته كيف يشاء و البائع و إن أحب سلعته فالعوض الذي أعطاه فيها و هو الثمن أحب إليه مما باعه فقال إِنَّ اللّٰهَ اشْتَرىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوٰالَهُمْ و بعد هذا الشراء أمر أن يجاهد بها في سبيل اللّٰه ليهون ذلك عليهم فهم يجاهدون بنفوس مستعارة أعني النفوس الحيوانية القائمة بالأجسام و الأموال مستعارة

[الإنسان مجبول على الشفقة الطبيعية]

فهم كمن سافر على دابة معارة و مال غيره و قد رفع عنه الحرج مالكها عند ما أعاره إن نفقت الدابة و هلك المال فهو مستريح القلب فما بقي عليه مشقة نفسية إن كان مؤمنا إلا ما يقاسي هذا المركب الحيواني من المشقة من طول الشقة و تعب الطريق و إن كان في قتال العدو فما ينال من الكر و الفر و الطعن بالأرماح و الرشق بالسهام و الضرب بالسيوف و الإنسان مجبول على الشفقة الطبيعية فهو يشفق على مركوبه من حيث إنه حيوان لا من جهة مالكه فإن مالكه قد علم منه هذا المعبر أنه يريد إتلافه فذلك محبوب له فلم يبق له عليه شفقة إلا الشفقة الطبيعية

[النفوس التي اشتراها الحق و النفوس التي باعتها له]

فالنفوس التي اشتراها الحق في هذه الآية إنما هي النفوس الحيوانية اشتراها من النفوس الناطقة المؤمنة فنفوس المؤمنين الناطقة هي البائعة المالكة لهذه النفوس الحيوانية التي اشتراها الحق منها لأنها التي يحل بها القتل و ليست هذه النفوس بمحل للإيمان و إنما الموصوف بالإيمان النفوس الناطقة و منها اشترى الحق نفوس الأجسام فقال اشترى من المؤمنين و هي النفوس الناطقة الموصوفة بالإيمان أنفسهم التي هي مراكبهم الحسية و هي الخارجة للقتال بهم و الجهاد فالمؤمن لا نفس له فليس له في الشفقة عليها إلا الشفقة الذاتية التي في النفس الناطقة على كل حيوان

[المجاهدون بالله هم أرباب الجهاد العام]

و أما المجاهدون الذين لم يقيدهم اللّٰه بصفة معينة لا في سبيل اللّٰه و لا فيه و لا بحق جهاد فهم المجاهدون بالله الذي ليس من صفته التقييد فجهاده في كل شيء و هو الجهاد العام و نسبة الجهاد إليه فيه الذي هو المشقة لكونه سماه مجاهدا و لم يقيد فيما ذا يجاهد فهو حكم القضاء و القدر في الأشياء التي يحصل منه الكرة في المقضي عليه بما قضى به عليه و الحق لا يريد مساءته لما له بهذا العبد من العناية

فقال في هذا المقام ما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نسمة عبدي المؤمن يكره الموت و أكره مساءته و لا بد له من لقائي يقول و لا بد له من الموت لما سبق به العلم فيقبضه عن مجاهدة مطلقة غير مقيدة بأذى و لا غيره و لكن تنبيهه تعالى بالتردد دليل على حكم مناسب حكم المجاهدة فإنه ما جاء به إلا ليقيدنا العلم بالأمر على ما هو عليه فإنه سبحانه المعلم عباده العلم و هو قوله وَ قٰالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ و هو الذي أعطاهم العلم من اسمه الرحمن الذي قال فيه عَلَّمَ الْإِنْسٰانَ مٰا لَمْ يَعْلَمْ

[المجاهدون الذين لا يتقيدون هم المترددون]

فالمجاهدون من العباد الذين لا يتقيدون كما أطلقهم اللّٰه هم المترددون في الأفعال الصادرة أعيانها فيهم هل ينسبونها إلى اللّٰه ففيها ما لا ينبغي أن ينسب إليه أدبا و تبرأ الحق منها كما قال بَرٰاءَةٌ مِنَ اللّٰهِ أو ينسبونها لأنفسهم ففيها ما ينبغي أن ينسب إلى اللّٰه أدبا مع اللّٰه و نسبة حقيقية و رأوا اللّٰه يقول وَ مٰا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ فنفى و أثبت عين ما نفى ثم قال وَ لٰكِنَّ اللّٰهَ رَمىٰ فجعل الإثبات بين نفيين فكان أقوى من الإثبات لما له من الإحاطة بالمثبت ثم قال وَ لِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ في نفس هذه الآية فعلمنا أن اللّٰه حير المؤمنين و هو ابتلاؤه بما ذكر من نفي الرمي و إثباته و جعله بلاء حسنا أي إن نفاه العبد عنه أصاب و إن أثبته له أصاب و ما بقي إلا أي الإصابتين أولى بالعبد و إن كان كله حسنا و هذا موضع الحيرة و لذلك سماه بلاء أي موضع اختبار فمن أصاب الحق و هو مراد اللّٰه أي الإصابتين أو أي الحكمين أراد حكم النفي أو حكم الإثبات كان أعظم عند اللّٰه من الذي لا يصيب ذلك فهؤلاء هم المجاهدون الذين فضلهم اللّٰه على القاعدين عن هذا النظر أجرا عظيما و ما عظم اللّٰه فلا يقدر قدره

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 147
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست