responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 146

الصورة التي خلقوا عليها لأنها غير محجور عليها فلما رأت من يشبهها قد حجر عليه سألت فيه رفع الحجر عنه فقيل لها إلى ذلك ما له في الآخرة فقالت فلا بد له أن يكون له حكم في الحياة الدنيا ليكون لي بشرى بقبول الشفاعة فإنك القائل لَهُمُ الْبُشْرىٰ فِي الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا وَ فِي الْآخِرَةِ فإن هذه الصورة متنزهى و موضع نظري فإذا رأيت عليها التحجير أرى الانكسار فيها و لا نرى أثرا لعنايتي فيها مع كونها مخلوقة على صورتي و لا تحجير علي

[المباح و التكليف و المجاهدة]

فشرع اللّٰه لها في الدنيا المباح فلا تنظر إليها الصورة الإلهية إلا في وقت تصرفها في المباح و هو أرفع أحوال النفس في الدنيا فإنه من الحياة الأخرى التي لا تحجير فيها فإذا انتقلت من المباح إلى مكروه أو مندوب أعرضت الصورة عن المكلف قليلا و نأت بجانبها مع بعض التفات إليها فإذا انتقلت إلى محظور أو فعل واجب أسدلت الحجاب و أعرضت بالكلية عن ذلك المكلف فلما رأى ذلك من كلفها و حجر عليها و هو اللّٰه تعالى أوجب على نفسه ما أوجبه مثل قوله كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ و كٰانَ حَقًّا عَلَيْنٰا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ فرفع الحجاب و نظرت الصورة إلى كل واحد في كل حال من أحوال الأحكام

[الوجوب على اللّٰه و تعلق العلم الإلهي بالمعلومات]

فانظر يا ولي ما ألطف اللّٰه و ما أرأفه بعباده حيث شرك نفسه معهم في حكم الوجوب و ما أسقط الوجوب عنهم بل أدخل نفسه معهم فيه إذ قد اتصفوا به ابتداء فلو أزاله عنهم لم يقم عندهم مقام إدخال نفسه معهم فيه أي ذقنا ما ذوقناكم هذا و غاية اللطف في الحكم و التنزل الإلهي كما نزل معهم في العلم المستفاد إذ كان علمهم مستفادا فقال وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّٰى نَعْلَمَ و هو العليم فانسهم و فيه حكم إيمان يعتض به من يسمع ممن لا يعرف اللّٰه قولهم إن اللّٰه لا يعلم الجزئيات و إن كانوا قصدوا بذلك التنزيه و هذه مسألة لا يمكن تحققها بالعقل ما لم يكن الكشف بكيفية تعلق العلم الإلهي بالمعلومات و أنه ليس في حق الحق ماض و لا آت و أن آنه لم يزل و لا يزال لا يتصف آنه بأنه لم يكن ثم كان و لا بانقضاء بعد ما كان و ربما يعطي اللّٰه هذه القوة لمن شاء من عباده و قد ظهر منها نفحة على محمد صلى اللّٰه عليه و سلم علم بها علم الأولين و الآخرين فعلم الماضي و المستقبل في الآن فلو لا حضور المعلومات له في حضرة الآن لما وصف بالعلم بها فهذا يعلم أن اللّٰه يعلم الجزئيات علما صحيحا غاب عنه من قصد التنزيه بنفيه عن جناب الحق

[المجاهدة حمل النفس على المشاق و الرياضة تهذيب الأخلاق]

ثم نرجع و نقول إن المجاهدة حمل النفس على المشاق البدنية المؤثرة في المزاج و هنا و ضعفا كما إن الرياضة تهذيب الأخلاق النفسية بحملها على احتمال الأذى في العرض و الخارج عن بدنه مما لا حركة فيه بدنية ثم إن هذه الحركات البدنية المحمودة شرعا منها حركات في سبيل اللّٰه مطلقا و هي أنواع سبيل كل بر مشروع فمنه ما فيه مشقة فيسمى مجاهدة و منه ما لا مشقة فيه فيرتفع عنها حكم هذا الاسم

[أعظم المشاق إتلاف المهج في سبيل الخلاق]

و هذا الباب مخصوص بما فيه مشقة و لهذا سميناه باب المجاهدة فنظرنا إلى أعظم المشاق فلم نجد أعظم من إتلاف المهج في سبيل اللّٰه و هو الجهاد في سبيل اللّٰه الذي وصف اللّٰه قتلاه بأنهم أحياء يرزقون و نهى أن يقال فيهم أموات و نفى العلم عمن يلحقهم بالأموات : للمشاركة في صورة مفارقة الإحساس و عدم وجود الأنفاس

[إبطال قياس الفقهاء و العقلاء]

و هذا من أدل دليل على إبطال القياس لأن المعتقدين موت المجاهدين المقتولين في سبيل اللّٰه إنما اعتقدوه قياسا على المقتول في غير سبيل اللّٰه بالعلة الجامعة في كونهم رأوا كل واحد من المقتولين على صورة واحدة من عدم الأنفاس و الحركات الحيوانية و عدم الامتناع مما يراد من الفعل بهم من قطع الأعضاء و تمزيق الجلود و أكل سباع الطير و السباع و استحالة أجسامهم إلى الدود و البلى فقاسوا فأخطأ و القياس و لا قياس أوضح من هذا أولا أدل في وجود العلة منه و مع هذا أكذبهم اللّٰه و قال لهم ما هو الأمر في المقتول في سبيلي كالمقتول في غير سبيلي وَ لاٰ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ أَمْوٰاتاً بَلْ أَحْيٰاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ فقال لهم ذلك الحكم الذي حكمتم علي ليس بعلم و إذا لم يكن علما لم يكن صحيحا و إذا لم يصح لم يجز الحكم به مع علمنا بأخبار اللّٰه أن ذلك ليس بصحيح ثم قال وَ لاٰ تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ أَمْوٰاتٌ بَلْ أَحْيٰاءٌ وَ لٰكِنْ لاٰ تَشْعُرُونَ فنفى عنهم العلم الذي أعطاهم القياس فإذا كان حكم هذا القياس على وضوحه و عدم الريب فيه و توفر أسبابه و ظهور علله الجامعة بينه و بين غيره من القتلى و هو باطل بأخبار اللّٰه فما ظنك بقياس الفقهاء في النوازل و قياس العقلاء بحكم الشاهد على الغائب في معرفة اللّٰه هيهات صدق اللّٰه و كذب أهل القياس على اللّٰه و اللّٰه لا أشبه من لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ من مثله الأشياء

[المجاهدون في سبيل اللّٰه و صنفا النفوس]

فلما كان إتلاف المهج أعظم المشاق على النفوس لهذا سمي جهادا فإن النفوس نفسان نفس ترغب في الحياة الدنيا لألفتها بها فلا يريد المفارقة

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 146
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست