الثالث-و هو أقرب الوجوه المذكورة لهم-: التطبيق، و وجهه أنّهم أخذوا من الآن جملة إلى ما لا يتناهى في الوهم، ثمّ أخذوا من زمان الطوفان كذلك مثلا جملة أخرى، و أطبقوا إحداهما على الأخرى حتّى يكون المبدءان واحدا و يمتدّان متطابقين في الذهاب في جانب الماضي فيستحيل تساويهما و إلاّ لكان وجود السنة و عدمها واحدا.
فإذن يظهر في إحدى الجملتين النقصان نسبة في جانب الماضي ليكون المبدأ واحدا فتنقطع الناقصة، و الزائدة إنّما زادت نسبة فتنقطع أيضا.
اعترض عليهم بأنّ التطبيق إنّما يكون في الوهم، إذ الآحاد موجودة لهاتين الجملتين و الوهم لا يستحضر ما لا يتناهى، فلا تطبيق إذن لا في الوجود و لا في الوهم.
و هذا الاعتراض غير وارد؛ لأنّ التطبيق أمر يفرضه العقل الذي يمكنه استحضار المتناهي و غير المتناهي [2].
الرابع: ما ذكره بعض المحقّقين، و هو أنّ كلّ حادث موصوف بكونه سابقا على ما بعده و لاحقا لما قبله و الاعتباران مختلفان، فإذا اعتبرنا الحوادث الماضية المبتدأة من الآن تارة من حيث إنّ كلّ واحد منها سابق و تارة من حيث هو بعينه لاحق، كانت السوابق و اللواحق -المتباينان بالاعتبار-متطابقين في الوجود، و لا نحتاج في تطابقهما إلى توهّم تطبيق، و مع ذلك يجب كون السابق أكثر من اللاحق في الجانب الذي وقع النزاع فيه.
فإذن اللواحق متناهية في الماضي؛ لوجوب انقطاعها قبل انقطاع السوابق، و السوابق الزائدة عليها بمقدار متناه تكون متناهية [3].
و اعلم أنّ هذا الوجه لا يخلو من ضعف؛ فإنّ وجوب أكثرية السوابق إنّما يكون إذا فرض العقل انقطاع السوابق و اللواحق، أمّا على تقدير عدم النهاية فيهما فليس كذلك.
الخامس: لو وجدت حوادث لا نهاية لها، لكان اليوم متوقّفا على انقضاء ما لا نهاية له، و انقضاء ما لا نهاية له محال؛ فيكون وجود اليوم محالا.
[1] . أحجموا عن الأمر و أجحموا عن الأمر: كفّوا عنه.
[2] . حول برهان التطبيق و الاعتراض عليه و الردّ انظر «كشف المراد» :128.