و ليس ممّا يقول بذاته، و إلاّ لما اختصّ بشيء دون غيره، و لم يكن اختصاص بعض الأشياء بإمكان دون آخر أولى من العكس؛ فلا بدّ من محلّ يتعلّق بالحادث دون غيره، و إلاّ لما اختصّ به.
فكلّ حادث يسبقه إمكان و موضوع هو الهيولى، و الهيولى ليست حادثة و إلاّ لافتقرت إلى هيولى، فلا يحدث إلاّ ما له قوّة وجود في هيولى، و ذلك إمّا أن تكون مع المادّة، أو عنها، أو فيها [2].
و اعلم أنّ فساد هذه الحجّة ظاهر، و سببه أخذ الأمور الاعتبارية مكان العينية.
و تحقيق هذا أن نقول: الصفات تنقسم إلى صفات موجودة في الذهن و العين، و إلى صفات توجد في الذهن لا غير، و وجودها العينيّ هو أنّها في الذهن كالنوعية المحمولة على الإنسان، و الجزئية المحمولة على زيد، و كذلك جميع المعقولات الثانية كالشيئية على رأيهم، فكما لا يلزم من «كون الشيء ليس يجري في الأعيان» أن تكون الكلّيّة ثابتة في الأعيان، و كذلك لا يلزم من «كون الإمكان ليس بثابت في الأعيان» أن يكون الوجوب و الامتناع ثابتين فيه. و كونه هو نفس العدم لا ينافي أن يكون عدميّا.
و قولهم: «إنّا نحكم على الشيء: بأنّه ممكن في الأعيان، و نفرق بينه و بين الممكن الذهني، و منشأ الفرق وجود الإمكان» فاسد؛ لما بيّنّاه [3]من أنّ الحكم على شيء في الأعيان بشيء، لا يستدعي وجود ذلك الممكن كما أنّا نحكم بأنّ زيدا الموجود جزئي و إن كانت الجزئية من الموجودات الذهنيّة، بل منشأ الفرق هو اعتبار وجود الشيء في الخارج تارة، و في الذهن أخرى.
و أمّا قولهم: «لو كان الإمكان ذهنيا، لجاز لحوقه بجميع الماهيّات» فملازمة فاسدة؛
[1] . أي ما يقال إلى هنا. و قوله: «و ليس ممّا يقوم بذاته» حكم آخر للإمكان و هو إثبات وجود الموضوع له و هو أيضا ما يقال.