و ربّما أمكن تأويل الأوّل: بأنّ وجودها [2]لمّا تعلّق بالأشياء الخارجية كالصور و الفواعل، كانت من دونها معدومة.
و الثاني: بأنّها عامّة باعتبار عموم صلاحيتها لما يرد عليها من الصور.
و اعلم أنّ الوفاق قد وقع بين العقلاء على إثبات أمر قابل لما يرد عليه من الصور و الهيئات، غير أنّ جماعة من القدماء زعموا أنّ القابل هو الأجزاء الأفراد غير المتجزّئة [3]و قد فرغ من هذا [4]. و جماعة أخرى منهم، أنّه هو الجسم، و هو أمر واحد لا تركيب فيه عندهم بوجه من الوجوه، فهو من حيث هو، جوهر [5]يسمّى جسما و من حيث قبوله للصور، يسمّى هيولى [6].
و هذا رأي من كان قبل «أرسطو» و إليه مال أبو البركات [7].
و أمّا جماعة المشّائين فإنّهم ذهبوا إلى أنّ الهيولى أبسط من الجسم، و الجسم مركّب منها و من الصورة التي هي الاتّصال، و إلى هذا مال الشيخ أبو علي، و استدلّ في إلهيات الشفاء على ذلك بوجهين:
الأول: إنّ الجسم قابل للانفصال مع أنّه متّصل واحد في نفسه، و الاتّصال لا يقبل الانفصال فلا بدّ من أمر آخر باق في حالتي الاتّصال و الانفصال؛ فإنّ القابل للأمرين يجب بقاؤه معهما.
و ليس الاتّصال نفس حقيقة الجسم، و لا خارجا عنها؛ فإنّ الجسم لا يعقل إلاّ و أن يكون قابلا للأبعاد الثلاثة، و هو لا يعقل إلاّ مع كونه متّصلا.