بتقریب
قربانهم و قضاء تفثهم، لیطهّروا من الذنوب الّتی کانت هی الحجاب بینهم و
بینه، و لیزوروا البیت علی طهارة منهم، ثمّ یعیدهم فیه بما یظهر معه کمال
الرقّ و کنه العبودیّة، فجعلهم تارة یطوفون فیه، و یتعلّقون بأستاره، و
یلوذون بأرکانه، و أُخری یسعون بین یدیه مشیاً و عدواً، لیتبیّن لهم عزّ
الربوبیّة، و ذلّ العبودیّة، و لیعرفوا أنفسهم، و یضع الکبر من رؤوسهم، و
یجعل نیر الخضوع فی أعناقهم، و یستشعروا شعار المذلّة، و ینزعوا ملابس
الفخر و العزّة و هذا من أعظم فوائد الحجّ، مضافاً إلی ما فیه من التذکّر
بالإحرام و الوقوف فی المشاعر العظام لأحوال المحشر، و أهوال یوم القیامة،
إذ الحجّ هو الحشر الأصغر، و إحرام الناس و تلبیتهم و حشرهم إلی المواقف و
وقوفهم بها و الهین متضرّعین راجعین إلی الفلاح أو الخیبة و الشقاء أشبه
شیء بخروج الناس من أجداثهم، و توشّحهم بأکفانهم، و استغاثتهم من ذنوبهم، و
حشرهم إلی صعید واحد إلی نعیم أو عذاب ألیم، بل حرکات الحاجّ فی طوافهم و
سعیهم و رجوعهم و عودهم یشبه أطوار الخائف الوجل المضطرب المدهوش الطالب
ملجأ و مفزعاً نحو أهل المحشر فی أحوالهم و أطوارهم، فبحلول هذه المشاعر و
الجبال و الشعب و التلال و لدیٰ وقوفه بمواقفه العظام یهون ما بأمامه من
أهوال یوم القیامة من عظائم یوم المحشر، و شدائد النشر، عصمنا اللّٰه و
جمیع المؤمنین، و رزقنا فوزه یوم الدین، آمین ربّ العالمین (و صلّی اللّٰه
علی محمّد و آله الطاهرین). «1» [1] من أوّل کتاب الحجّ إلی هنا لنجله الأمجد الأوحد حضرة السیّد محمّد بأمر والده دام ظلّهما و علا مجدهما المسترحمیّ.