و اعلم أنّه قد تصدر جمع لتوجيه استشهاده (عليه السلام) للمطلب بقوله تعالى لَنْ تَنٰالُوا الْبِرَّ حَتّٰى تُنْفِقُوا مِمّٰا تُحِبُّونَ)[1] مع عدم ارتباطه به ظاهرا بوجوه:
منها: إنّ عموم الآية يشمل الإنفاق قبل السؤال، فيدخل فيه الإنفاق قبل السؤال و إن كان في حال غنى المنفق عليه.
منها: إنّ الإنفاق ممّا يحب المنفق، كما أنّه شاق على النفس؛ و لهذا أمر به، فكذلك قضاء حاجة الوالدين قبل أن يسألا.
و منها: إنّ سرور الوالدين بقضاء حاجتهما قبل الطلب أكثر منه بقضائها بعده، كما أنّ سرور الفقير بإنفاق المحبوب أكثر منه بإنفاق غيره.
و منها: إنّ المراد من الآية «حتّى تنفقوا»: من الوجه الذي تحبّون أن ينفق عليكم، و لا شبهة أنّه الإنفاق قبل الإظهار و السؤال، و إن كان هذا المعنى مخالفا للمشهور في تفسير الآية.
أقول: و الكلّ بعيد، و الذي يخطر بالبال في التوجيه وجه آخر يتضح بعد مقدّمتين:
الاولى: إنّ المراد بما تحبون في الآية: «ممّا تحبّون» ليس خصوص ما يحبّه المنفق: ضرورة أنّه لا مزيّة في البرّ بإنفاق الشخص ما يحبّه مع العلم بأنّ غيره من عامّة الناس لا يشتاقون إليه كثيرا و إن كان لهذا أيضا مزيّة من حيث كونه شاقّا على النفس، لكن ليس هذا فضيلة في البرّ بحيث بعدّ من أفضل البر، و إنّما هي فضيلة من حيث مجاهدة النفس و مخالفتها،