بكر، فإذا سلّم الإجماع باطنا و ظاهرا عليها، فغير مسلّم أنّه عن اجتهاد، و البكريّة تزعم أنّها كانت عن نصّ من الرسول عليه السّلام على إمامته.
و أجد كثيرا من مصنّفي أصول الفقه يمتنع من القول بجواز أن تجمع الأمّة على الشيء تبخيتا أو تقليدا. و في الفقهاء من يجيز ذلك، و يصرّح بأنّ إجماعهم قد يكون تارة عن توقيف، و أخرى عن توفيق، و على أصولهم يجب أن يكون ذلك جائزا لا يمنع منه مانع، و إذا جاز الخطأ على كلّ واحد منهم، و جاز أن يعلم اللّه تعالى في جماعتهم خلاف ذلك، و جاز أيضا أن يكون قول كلّ واحد يسوّغ مخالفته، و لم يجز ذلك في الجماعة، فألاّ جاز أن يجمعوا على القول بالتّبخيت و التقليد إمّا من كلّهم، أو من بعضهم، و يوجب اللّه سبحانه و تعالى اتّباعه، و كونه حجّة؟!؛ لأنّ المعوّل هو ما يعلمه اللّه سبحانه من المصلحة، و هذا ممّا لا انفصال لهم عنه.
فإن قيل كيف لا يلزمكم أنتم مثل ذلك، و أنتم تقولون: أنّ الإجماع حجّة؟
قلنا: يجوز أن يبخّت و يقلّد كلّ من عدا الإمام، فأمّا الإمام نفسه فذلك لا يجوز عليه؛ لأنّه قبيح، و القبيح قد أمّنّاه منه لعصمته، فبان الفرق بيننا و بينكم في ذلك.
[الثالث عشر: ]فصل في القول إذا ظهر بين الصحابة و لم يعرف له مخالف كيف حكمه؟
اعلم أنّ القول إذا ظهر و انتشر، و لم يكن في الأمّة إلاّ قائل به و عامل عليه، أوراض بكون ذلك القول قولا له، حتّى لو استفتي، لم يفت إلاّ به، و لو حكم، لم يحكم إلاّ به؛ فهو الإجماع الّذي لا شبهة في أنّه حجّة و حقّ.
فأمّا إذا انتشر القول، و لم يكن فيه إلاّ قائل به، أو ساكت عن النكير عليه؛ فقد اختلف الناس فيه: فذهب أكثر الفقهاء و أبو عليّ الجبّائي إلى أنّه إجماع و حجّة،