الإجماع إذا كان هو إجماع جميع الأمّة، و فيهم من ينفي القياس و الاجتهاد، فلا سبيل إلى أن يكونوا مجمعين، و هذه حالتهم على حكم واحد من طريق الاجتهاد.
و اعتلال المخالفين في هذا الموضع بقولهم: «إنّ نفاة القياس قد تناقض، و تستعمل القياس و هي لا تشعر» تعلّل منهم بالباطل؛ لأنّ هذا إن جاز، فإنّما يجوز على الواحد و الاثنين، و لا يجوز على الجماعة الّتي تحصّل، و تفطن، و تشقّق الشعر في التدقيق و التحقيق، و هذا رمى منهم للقوم بالغفلة، و قلّة الفطنة.
و تعلّلهم أيضا بأن الخلاف في خبر الواحد كالخلاف في القياس، و قد يجمعون لأجله، باطل أيضا؛ لأنّا لا نجيز على من يخالف في خبر الواحد أن يجمع على حكم من الأحكام لأجله في موضع من المواضع، فالمسألتان واحدة.
فأمّا العموم، و إن وقع خلاف في أن وضع اللّغة يقتضي الاستغراق؛ فلا خلاف في أنّ العرف الشرعي يقتضيه، و من ارتكب أنّه لا عرف في العموم لغويّ و لا شرعيّ لا يصحّ أن يستدلّ بظاهر العموم، بل بقرينة و دلالة.
فأمّا تعلّق من أبى الإجماع على الحكم من طريق الاجتهاد بأنّ الإجماع مقطوع به، و ما طريقه الاجتهاد لا يقطع عليه فليس بشيء؛ لأنّه غير ممتنع أن يصير على بعض الوجوه ما ليس بمقطوع به مقطوعا عليه، و يتغيّر الحال فيه؛ لأنّ الحاكم إذا حكم بما طريقه الاجتهاد، اقتضى حكمه القطع، و إن كان الأصل الّذي هو الاجتهاد ليس بمقطوع به.
فأمّا ادّعاؤهم في أحكام كثيرة أنّهم أجمعوا عليها من طريق الاجتهاد، كإجماعهم على قتال أهل الردّة بعد الاختلاف، و أن الاتّفاق لا وجه له إلاّ الاجتهاد، و كذلك الاتّفاق على إمامة أبي بكر بعد الاختلاف، و طريقها الاجتهاد؛ فليس بمرضيّ، و من أين لهم أنّ الاتّفاق على قتال أهل الردّة لم يكن إلاّ عن اجتهاد، و له وجه في نصوص القرآن قد تعلّق بها؟!. و أمّا إمامة أبي