نام کتاب : موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب نویسنده : أيوب صبري باشا جلد : 3 صفحه : 215
و هكذا تزايدوا و كثروا فأصبح الذين يظلون فى آخر المسجد النبوى من البررة الكرام لا ينالون متعة رؤية وجه النبى الجميل و يتمتعون بصوت النبى (صلى اللّه عليه و سلم) و يحرمون من فوائد فرائد ألفاظ حبيب الإله و ذلك لشدة الزحام فصنعوا منبرا جديدا فصعد النبى (صلى اللّه عليه و سلم) فوق المنبر و جلس عليه، عندئذ صاح العمود صيحة حنين حينا و أن أنينا آخر حتى كاد أن ينشق قطعتين و سمع أهل المجلس صيحة الجزع الأليمة بآذانهم، و نزل النبى (صلى اللّه عليه و سلم) من المنبر رحمة بحال العمود الحزين و ضمه بصدره و عانقه بكل رقة و شفقة. و من هنا أخذ الجزع يبكى و يئن كصبى صغير و فى آخر الأمر سكن من تسلية الرسول (صلى اللّه عليه و سلم) له كما يسكت الطفل عندما يسليه أبوه و أمه و انقطع عن الصيحة و الأنين و بناء على خطب الرسول (صلى اللّه عليه و سلم) فى أصحابه الكرام قال يا أمتى و أصحابى! قد أن هذا العمود و بكى لأنه تأثر من مفارقته ما سمعه من الذكر و التسبيح الخاصين بالأوصاف الإلهية. انتهى.
هذه المعجزة من المسائل المشهورة و المصدقة بين الأئمة. قد حكى مؤلف المناقب الشافعية ابن أبى حاتم نقلا عن والده عن عمرو بن سوّاد عن و الإمام الشافعى أن الإمام الشافعى قال: «إن النبى الأكرم قد أعطى اللّه له من المعجزات ما لم ينعم به على أحد من الأنبياء» و حكى ذلك فى صورة مفصلة. يقول عمرو بن سواد: «كنت قد قلت أن عيسى- (عليه السلام)- قد أعطى معجزة إحياء الموتى» قال الإمام الجليل «و قد أنعم اللّه على النبى (صلى اللّه عليه و سلم) بمعجزة حنين الجزع حتى سمع صوت الجذع، و هذا أكبر من معجزة إحياء الموتى» [1].
قد روى بكاء الجزع و أنينه و صيحته بسبب فراقه الأليم للنبى (صلى اللّه عليه و سلم)، سواء أكان المؤرخون أو العلماء الذين شغلوا أوقاتهم من أئمة الحديث بنقل الأخبار النبوية و إخراجها، يعنى أن الأصحاب الكرام- رضى اللّه عنهم- الذين حضروا أحداث القصة المشروحة فى يوم وقوعها و سمعوا بآذانهم حديث حنين الجزع كأبناء البشر و نطقه و هو يعرض حاله للنبى (صلى اللّه عليه و سلم) و أقاموا على ذلك بينة عادلة إلا أن زمرة