و في تلك الأخبار و أخبار حروف الهجا دلالة على أنّ للحروف المفرده وضعا؛ دلالة على معان، و ليست فائدتها منحصرة في تركيب تلك الكلمات منها، و الاستيفاد في ذلك، و قد روت العامّة عن ابن عباس رضى اللّه عنه في «الم» أن الالف آلاء اللّه، و اللام لطفه و الميم ملكه [1] و تأويلها بأن المراد التنبيه على أنّ هذه الحروف منبع الأسماء و مبادي الخطاب و تمثيل بأمثلة حسنة تكلف مستغنى عنه.
بل ورد في الأخبار أنّ لضربات الناقوس أيضا معنى، فروي في «المجالس» و «المعاني الأخبار»- أيضا- مسندا عن الحارث الأعور قال: بينا أنا أسير مع أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (عليه السلام) في الحيرة إذا نحن بديراني يضرب الناقوس، قال: فقال علي بن أبي طالب (عليه السلام): «يا حارث! أ تدري ما يقول هذا الناقوس؟» قلت: اللّه و رسوله و ابن عم رسوله أعلم، قال: «إنّه يضرب مثل الدنيا و خرابها و يقول: لا إله إلّا اللّه حقّا حقّا، صدقا صدقا، إنّ الدنيا قد غرّتنا و اشتغلتنا [2] و استهوتنا و استغوتنا، يا ابن الدنيا مهلا مهلا، يا ابن الدنيا دقّا دقّا، يا ابن الدنيا جمعا جمعا، تفنى الدنيا قرنا قرنا، ما من يوم يمضي عنّا إلّا و قد أوهى منّا ركنا [قد] ضيّعنا دارا تبقي و استوطنّا دارا تفني، لسنا ندري ما فرّطنا فيها إلّا لو «قدمتنا».
قال الحارث: يا أمير المؤمنين! النصارى يعلمون ذلك؟ قال: «لو علموا ذلك لما اتخذوا المسيح إلها من دون اللّه عزّ و جلّ»، قال: فذهبت [إلى الديرانيّ] فقلت له: بحقّ المسيح عليك لما ضربت بالناقوس على الجهة التي تضربها، قال: فأخذ يضرب و أنا أقول حرفا حرفا حتى بلغ إلى قوله إلّا لو قدمتنا، فقال: بحقّ نبيّكم من أخبرك بهذا؟ قلت: هذا الرجل الذي كان معي أمس، قال: و هل بينه و بين النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) من قرابة؟ قلت: نعم، هو ابن عمّه، قال: بحقّ نبيّكم أسمع هذا من نبيكم؟ قال: قلت: نعم، فأسلم، [ثمّ] قال لي: و اللّه إنّي وجدت في «التوراة» أنّه يكون في آخر الأنبياء نبيّ يفسّر الناقوس [3].
أقول: فيه دلالة على جواز استماع صوت الناقوس، منه غفر له.