الحديث و ما قبله، و المتأخّرون خالفوا في ذلك و أوجبوا عليه التيمّم، لعموم قوله تعالى «مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» [1] «وَ لٰا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ» [2].

و استدلّ بعضهم على ذلك بأنّ دفع الضّرر المظنون واجب عقلا، و بأنّ الجماع جائز إجماعا، فلا يترتّب على فاعله مثل هذه العقوبة، و حمل بعضهم هذين الحديثين على ما إذا كان الضّرر المتوقّع يسيرا، و للمنتصر للشّيخين أن يقول: انّ الحمل على الضّرر اليسير يأباه سوق الكلام في الحديثين، و التكليف

إن كان أجنب هو فليغتسل، و إن كان احتلم فليتيمّم [3]، فإنّه صريح في أنّ من تعمّد الجنابة وجب عليه الغسل، لإيجاده السبب و إن تضرّر و خاف على نفسه.

قوله: انّ الحمل على الضرر اليسير الى آخره فرق بين الضرر المالي المقدور الممكن تحمّله لدفع ضرر بدني، و الضرر البدني المظنون أنّه يؤدّي الى الهلاكة، أو الوجع الشديد و المرض المديد المانع من كثير من الطاعات و العبادات و تحصيل الكمالات النفسانية و البدنيّة.

فإنّ تحمّله غير واجب، بل الواجب دفعه مهما أمكن، و لذلك رخّص الشارع تغطية الرأس لمرض و أمره بالكفّارة، لأنّ دفع الضرر البدني عنده أهمّ من دفع الضرر المالي، فقياس أحدهما على الآخر قياس معه فارق.

ثمّ من الظاهر أنّ أحدا من علماء الأمّة لم يقل بتحريم الوطء عند العلم بعدم الماء، و خاصّة إذا كان الوطء لدفع ضرر بدني، أو غلبة شهوة مشوّشة مخرجة عن حدّ الحضور في العبادات.

و أمّا وجوب تمكين القاتل و المقذوف، فليس من باب الإلقاء إلى التهلكة، بل هو من باب النجاة منها، بخلاف التيمّم و الإتيان بالغسل في الصورة المفروضة، فإنّه إلقاء إلى التهلكة المنهيّ عنه عقلا و نقلا، و لا أقلّ من أن يكون داخلا في باب العسر المنفيّ

[1] الحج: 78.

[2] البقرة: 195.

[3] من لا يحضره الفقيه 1: 107.